كانت مصر، قبل الطابور العسكري الذي انقضّ على القاهرة في 23 يوليو 1952، بلدًا يمكن اعتبارها صناعة أوروبية.
دار أوبرا عمرها 85 سنة، مسارح، سينما، ترام، تليفونات، إذاعة، بورصة، مصانع، شركة طيران، إلى آخره… قناة السويس التي تربط آسيا بأفريقيا، تماثيل، كباري، أربعة أسود تحرس نهر النيل، صحافة، فكر، موسيقى، رقص، غناء… نعم، صناعة أوروبية بكل المقاييس.
وبدأت كمطلع السطر الأول الذي خطّته النهضة الأوروبية بعد نجاحها.
وتعجب حين تعلم أن هذه النهضة ألقت بنفسها على شاطئ أبي قير بالإسكندرية في شكل حملةٍ (الحملة الفرنسية) لا نظير لها في ألبوم الحروب؛ فقد أتت سفن نابليون العسكرية لا تحمل المدفع والبندقية فقط، بل تحمل 179 عالمًا من أعظم علماء العالم، ومكتبة، ومَعملاً، ومطبعة، وقائدًا، وهو على ظهر سفينته العسكرية يقول للمصريين الواقعين تحت نير الخلافة العثمانية وأعوانهم من المماليك، بعساكرهم التي تسوم الناس سوء العذاب:
إنه جاء لخلاصهم، وأن لهم بلدًا، وأن بلدهم هذه تملك حضارة لا مثيل لها في العالم.
نقلت الحضارة الأوروبية كل أسرارها إلى محمد علي، وبالبعثات التي أرسلها إلى فرنسا، وبالخبراء الذين استقدمهم من فرنسا، وخلال أربعين عامًا من حكمه أصبحت هناك مصر أخرى غير التي كانت.
وارتفعت في الأفق عالمية مصر، وباتت جامعاتها قبلة لكل العرب والأفارقة.
وكانت مصر ربيبة أوروبا تسير على نهجها، حتى بعدما تخلّصت من الاستعمار البريطاني، ومدّت الولايات المتحدة يدها إلى مصر آملةً أن تستمر عربية كما هي.
في هذا الوقت المبكر من خمسينيات القرن الماضي، كانت كوريا الجنوبية، كما جاء على لسان قياداتها، تتمنى أن تمتلك ما تمتلكه مصر من مهندسين وأطباء وجامعات ومصانع وصناعة وطرق مواصلات.
ركبت كوريا الجنوبية قطار الغرب، وركبنا قطار الشرق هم وصلوا أما نحن فبتنا نحبوا
وتضاءلت عالمية مصر، وتاهت بين جموع الشعوب المتخلفة.
لكن… هل نفقد الأمل؟
لا.
الفرعون سيظل فرعونًا، ومصر ستظل مصر، رغم كيد الكائدين، وحقد الحاقدين.
تعليقات
إرسال تعليق