العزلة ..

  

العزلة .............................نشر بصحيفة القاهرة 4/ 9/ 2018

 

 

                                                         

منشــــــــــــــــــــــــور بجريدة الفـــــــاهرة  الثلاثاء 9-4-2018

     العزلة

العزلة كلمة أدعوا  للوقوف أمامها والتعرف عليها..  فهى الاسم الحركى للهوة السحيقة التى دفعنا أنفسنا، ودفعنا غيرنا للسقوط فيها

حكايتنا معها بدأت بحكم آل عثمان، قطعتها الحملة الفرنسية بقسوة، خلصتنا منها بجراحة آلامها مازالت كامنة فى لا وعينا حتى تاريخه، حرمتنا من التنبه للخصوصية التى أهدتنا إياها، والدوافع التى حركتها وأدت بالثورة الفرنسية إلى أن تحط الرحال على أرضنا، وكأننا فرعها الشرقى أو محطتها الشرق أوسطية.

لم يحدث فى تاريخ البشرية أن حملت جيوش المعتدى غير السيوف والحراب وسائر أدوات التقتيل والتخريب، أما هذه الحملة فضمت إلى جانب الجيش التقليدى جيشًا من العلماء والفنانين، وفتحت معبرًا تدفق من خلاله السان سيمونيين.. معتنقو فكر الفيلسوف سان سيمون صاحب الارهاصات المبكرة للفكر اليسارى، ووحدة البشر..رجال وظفوا معارفهم الهندسية فى اقامة المشروعات الكبرى فى الدول الصغيرة ـ بلا مقابل ـ فى أول ممارسة لصوفية التحضر فى التاريخ البشرى، وحمل الجميع فى قلوبهم وعقولهم قبسًا من فكر ثورى تجاوز المحلية إلى العالمية، فإذا كان الثوار الفرنسيون المعدمون هبوا لرفع الظلم عن كاهلهم، ووضع آلية جديدة للعلاقة بين الحاكم والمحكوم، فإن المفكرين والفلاسفة والثقافة بوجه عام كانت المحرك لتلك الرافعة الاسطورية التى حققت ذلك وسط دهشة العالم، ولأنها ثقافة فهى كالهواء لا حق لها فى التوطن، ولا حق لها فى سكون أو هجوع ..اتسعت لتشمل الأمم المقهورة والمحكومة بامبراطوريات عملاقة ومنها الامبراطورية العثمانية.

كان من الممكن أن نرتد للعزلة بعد انتهاء الحملة ونعود إلى الأحضان العطنة للخلافة العثمانية ليغلبنا النعاس ونواصل النوم، لولا التاريخ المصرى وشغفه المفرط بالدراما.

 ماثيو يلمح  ضابطًا ألبانيًا اسمه محمد على، يدرك ما يتمتع به من مواهب قيادية فذة.  وكان ما كان ياسادة يا كرام وما يحلى الكلام الا بذكر النبي عليه الصلاة والسلام، حكاية كبيرة بطلها الثلاثى الفذ محمد على، ماثيو، شيوخ الديوان، وحكاية أكبر بطلها الثنائي فيردناند ابن ماثيو ومحمد ابن محمد على، حكاية  ستهز العالم هزا، وتضع اكتشاف رأس الرجاء الصالح على الرف، وترد على عنصرية فاسكو دا جاما، الذى قال بعد اكتشافه المدوى " الآن طوقنا المسلمين ولم يعد غير شد الحبل" أى صرف  التجارة العالمية عن استخدام طريق الحرير الذى يمر بالبلاد الاسلامية ويمثل لها مصدرًا للرزق.  حكاية حولت مصر إلى العالمية فيما يختص بالجغرافيا، كما حولها حجر رشيد إلى العالمية  فيما يختص بالتاريخ، وجعلت مصر العالمية اكتشافًا فرنسيًا بامتياز، شهد عليه تمثال فردناند ديليسبس بموقعه فى مدخل القنال ..أسقطناه عن قاعدته لنسقط عن مصر عالميتها دون ادارك لما يمثله ذلك من خسارة بدت جلية هذه الأيام فى ظل العولمة والمنافسة الشرسة فى مجال السياحة.

عاد ماثيوا دليسبس لبلده بعد الحملة، لكنه يرجع لمصر ثانية بأمر من نابليون وأمر من التاريخ المصرى الذى يصر على التميز فى الأداء والانجاز. لعب ماثيو دورًا أساسيا فى تنصيب محمد على واليًا على مصر..هذه أولى التكليفات..ولتضع زوجته مولودًا اسمه فرديناند فى نفس العام  الذى تضع فيه زوجة محمد على مولودًا اسمه محمد سعيد، وهذا ثانى التكليفات، ليتصادق الطفلان، وهذا ثالث التكليفات، يتأثر محمد سعيد بمبادئ الثورة الفرنسية التى عاش واحتك فى صباه وشبابه مع صناعها وبيئتها وأفكارها سواء فى مصر أو  فرنسا حيث كان يدرس. ظهر هذا بجلاء فى خطاب له كان محل استنكار الجراكسة والأتراك وباقى الأجناس، لانحيازه المفرط للمصريين، وتعاطفه الشديد مع الفلاحين، واصراره على رفع الظلم والمعاناة عنهم، وبالفعل أصدر اللائحة السعيدية التى أعطت للمصريين الحق فى امتلاك الأرض، فكانت المؤسس لطبقة الأعيان المصريين... الرافد الأول .. تلاقى مع الرافد الثانى المنهمرة مياهه من القلعة ممثلا لطبقة الأفندية التى خرجت من عباءة المؤسسات البيروقراطية التى أنشأها محمد على ليشكلا قاعدة صلبة بنيت فوقها الطبقة المتوسطة المصرية، التى تحملت مسئولية النضال ضد الاستعمار البريطانى فى بداية القرن العشرين، والتى ساهمت  بعبقرية فى صنع النهضة الكبرى التى تمخضت عنها ثورة 19.

تاريخ مذهل، ألهم البروفيسير ايفان بورتريه ـ استاذ الايجبتلوجى فى جامعة السوربون ـ ابتكارًا أسماه النظام الموجى للتاريخ، يقوم على قياس المسافة بين  قمة الموجة التاريخية وقاعدتها. بتطبيقه وجد أن  أعلى القمم فى العالم تقع فى مصر.. موت شجر الدر بالقباقيب، انتحار كليوباترا وهى بكامل زينتها وأبهتها بسم الثعبان، انتحار القائد العام للجيش المصرى، هزيمة فى 6 ساعات، اكتساح خط بارليف بخرطوم مياه، نصر يخض فى 73 .

كيف يصنع المصريون التاريخ؟ سؤال برق كالشهاب فى أروقة جامعة السربون فأرسلت البروفيسير إلى الفاهرة بحثًا عن اجابة له وتتوالى أحداث مسرحيتى الكوميدية " اقعد وانت تفهم " ... ما علينا

واصل الحكام من أسرة محمد على ما بدأه الجد، حصلنا على قطار صغير محندق يتحرك وحيدًا مختالا فى عموم قارتى آسيا وإفريقيا وكأنه الطفل المعجزة ( الويل لنا إن نسينا من نحن  ) حصلنا على دار للأوبرا فتغيرت نظرتنا للموسيقى والغناء المحشور فى المندرة أو الدوار، وحبيس الانشاد الدينى، وعرفنا السينما والمسرح والغناء الراقى وأولاد عاكف واولاد الحلو واولاد عكاشه واولاد الإيه ( الهمنى الصبر يا رب ). كما حصلنا على أنماط معمارية جديدة،وشوارع حديثة، وميادين فسيحة، وحدائق غناء، حتى قيل أن القاهرة هى باريس الشرق

ـ وجاء عمنا عرابى ( وش الخير ) وفى ركابه الاستعمار البريطانى (وش الفقر) فكانت العزلة الثانية. فى هذه المرحلة أقام المستعمر بيننا وبين العالم وعلى الأخص فرنسا جدارًا به بوابات  يفتحها ويغلقها حسب مصالحه

قاومها  المصريون بمبادرة من الزعيم مصطفى كامل..عرف الطريق إلى عاصمة النور فكان له  صولات وجولات فضح ممارسات الاستعمار البريطانى ثم كانت ثورة 19  اقتحمنا البوابات بالقوة، وهدمناها فوق رؤوس مشيديها، وسافر الوفد، وسقطت العزلة، ناس راحه على أوربا وناس جايه.  وفى سنوات قليلة عربد المصريون فى مضمار الحضارة، وأصبحت مصر واحة مزهرة وسط فيافى الشرق الأوسط القاحلة، وغابات إفريقيا المتشابكة الأفرع والأوراق والظلمات، ولكن دائمًا كان هناك فى الداخل من لا تتحمل عينه ولا نفسه وميض الحضارة وزلزالها فقاوم الاتصال بالغرب، وناضل من أجل العزلة، بحجة الخوف على الأخلاق والدين، وعمل بكل ما يملك من قوة على شد مصر للخلف، والفصل بينها وبين منطقة الفوران الحضارى مما حدا ب طه حسين بالرد عليهم فى كتابه "مستقبل الثقافة فى مصر" وتفنيد حججهم والسخرية من منطقهم  ولكن هيهات

ـ جاء انقلاب يوليو، وهو ما تم تسويقه فيما بعد تحت اسم  ثورة 23 يوليو، فرضت التأميم، دفنت البورصة حية..غادر الاجانب مصر، وهرَّب الرأسماليون فلوسهم، ورحلوا خلفها، وكانت العزلة الثالثة عن الغرب، مالك القوة الحضارية الضاربة، لكن هذه المرة بخصوصية ثورية وقومية واشتراكية، بوابات تفتح وتقفل بأمر رجال أشداء لهم أجندة إصلاحية، بنودها من فولاذ، غير قابلة للتطريق أو الازالة أو الإضافة أو النقد، كأنها منزلة من عزيز مقتدر. محمية بدبابات ومدافع وسجون وزبانية ولا زبانية الجحيم، يأخذوا الراجل من دول ويضربوه حتى الموت لأنه رفض أن يقول أنا مَرَه ( راجع مقتل شهدى عطيه ) واعتبرت أن تاريخ مصر يبدأ من 23 يوليو 52 ، فرضت ثورة يوليو قيمة تحكمية للجنيه المصرى، وقيمة تحكمية للقيمة الايجارية للمسكن، وقيمة تحكمية  للانسان المصرى، وقيمة تحكمية للدولة المصرية،  وأصبحت الشخصيات العامة تعين ـ كالموظفين ـ بقرار، والرموز بقرار، أصبحت هى من تعطى النيشان لنفسها بقرار، وتصحح كراريس نفسها وتعطى لنفسها الفول مارك بقرار، قبل يوليو لم تكن مصر مملكة تحكمية بل  أمة  تحكمها قوانين الطفو (التعويم ) تتحدد قيمتها وفقًا لآليات العرض والطلب ورغم قسوة هذه الآلية وصعوبتها وتحديها المفرط للأمم إلا أن مصر فى اطارها كانت لاعبة ماهرة ومعها الجوكر دائمًا، الجنيه المصرى يناطح الدولار والاسترلينى، اقتصادها دائن، فنونها وثقافتها وخبراؤها ضيوف فوق العادة فى محيطها الاقليمى.

ـ استمر هذا النمط من العزلة رفيعة الشأن ثمانى عشر عامًا ، حتى جاء محمد أنور السادات، قرر اسقاطها عن عرشها. أعلن سياسة الانفتاح، ألغى قانون الطوارئ، سمح بالتعددية الحزبية، ألغى الحراسات، وبدأ يعد مصر لنهضة كبري، لكن المشكلة أن صورتها كانت فى رأسه هو فقط، ومحل ايمانه هو فقط، و كان هذا خطأه القاتل، فقد أثرت على شعبيته بشكل مفجع، لذلك عندما وصف الكاتب أحمد بهاء الدين الانفتاح بالسداح مداح فرقعت العبارة فى سماء مصر كلها، وانتشرت انتشار النار فى الهشيم، ليس لأن الانفتاح كان  مفرطًا أو سداح مداح كما وصفه، ولكن لأن الانغلاق هو الذى كان مفرطًا والعزلة والتحكمية هى التى كانت مفرطة وقاسية ومحمية بقوانين استثنائية واعلام موجه بل ومدافع ودبابات تخرج كل عام لتستعرض قوة الدولة لا قوة الجيش، لأن قوة الجيوش لا تحددها الاستعراضات وانما المناورات العسكرية والحروب. استمرت العزلة لسنوات جاوزت العقدين فى سماء سياسية صافية لا أثر فيها لغيوم المعارضة أو عواصفها، فاعتادها الناس وارتاحوا لها لأنها وفرت لهم جوًا ملائمًا للاستمتاع بالاجازة السياسية السعيدة التى حصلوا عليها منذ 1952 . وبشكل عام لم يكن هناك من يسمح لمصر بانهاء عزلتها و"يعيدها للسياق العالمى لتعود وتصبح البللورة القديمة" فكان لابد أن يموت محمد أنور السادات ومات وهو يردد نفس عبارة يوليوس قيصر "حتى أنت يا بروتس" ولكن بصياغة أخرى " مش معقول " ليضيف حلقة جديدة فى دراما التاريخ المصرى فائق الجودة.

 وجاء محمد حسنى مبارك، كان يقبل العمى ولا يقبل الاتصال بالغرب بالمعنى الثقافى والاجتماعى والاقتصادى حتى لا تنتقل لمصر عدوى الشفافية السائدة عندهم مما سيكشف الزيف الديمقراطى السائد، ويسلط أضواءا كاشفة على بؤر الفساد التى تحميها الدولة، فالرجل يملك ذكاءا فطريًا متخصصًا فى حماية مصالحه الشخصية والزود عنها، انحاز للعزلة الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية ولكن بطريقته الهادئة البالغة الخبث والدهاء ونجح فى صنع نمط جديد للحكم صبغ مصر بصبغته الخاصة، فكما نقول بلد شهدات (ونهرأ ) عندما يقولها عادل إمام فلنا أن نقول أيضًا أننا بلد رؤساء. مصر عبد الناصر، مصر السادات، مصر مبارك، مصر مرسي مع فارق وحيد هو أنه علينا أن نبكى بدلا من أن نضحك..لا يحكموننا بشروطنا وانما بشروطهم، وكأننا لسنا أمة ووجودنا سابق على وجودهم، كأننا لسنا الأم والأب وهم الأبناء. قبل يوليو 52 كان الأمر مختلفًا، هات لى مؤرخ يدعى أنه كان هناك فى أى يوم من الأيام خلال الحقبة الدستورية من 1923 إلى 1952 ما يسمى مصر سعد زغلول أو مصر عدلى يكن أو مصر اسماعيل صدقى  أو مصر  النحاس أو حتى مصر فؤاد أو فاروق انها مصر فقط ..مصر شعب مصر.. فيه العقاد وطه حسين وابورجيله والبدراوى عاشور واحمد حسين وحسن البنا ويوسف وهبى وعبد الوهاب وام كلثوم وتحية كاريوكا وريا وسكينه وياسين بتاع الزجاج ومش عارف مين بتاع كاوتشوك السيارات ( مصنع عمره من عمر مصنع مشيلان وسابق بريدجستون أين هو الآن معلهش احنا بنتكلم أحسن ما نطق نموت بنتكلم بس بنتكلم ده دى ) مصر التى كان يتألق فى سمائها شعار "تحيا مصر"

ـ على ضوء ما تقدم يمكننا ادراك أن ما يقوم به الرئيس السيسي الآن هو تعويم مصر ومحاولة  الحصول على قيمة سوقية عادلة لها.

جهد خرافى يبذل

ثمن سياسي فادح يدفع

مخاطر مرعبة تحيط بالملعب واللاعبين

مد يده بجسارة مقطوعة النظير فى عش الدبابير وضع شعبيته ورئاسته على المحك، راهن على حب وثقة جماهير 30 يونيو.

بدأ بتعويم الجنيه، وتعويم الطاقة، ومازال أمامنا طريق وعر علينا أن نسلكه لتعويم التعليم والمسكن والثقافة الدينية والقومية والعقل المصرى وإعادة تأهيله لتقبل معطيات العصر بكل تعقيداتها وتناقضاتها.

ـ هذا عن حكاية العزلة التى فرضناها على مصر بيدنا وبارادتنا الحرة، أما عن العزلة التى فُرضت علينا، فهى مسألة أخرى، أو منعطف آخر، فقد وصلت الصهيونية العالمية إلى أنه لا سبيل لتنفيذ مشروعهم " اسرائيل الكبرى " إلا ببقاء العرب على حالهم من التخلف، ولكن كيف والعالم فى ظل ثورة الاتصالات تحول لقرية صغيرة يسكن العرب بعض أزقتها؟ كيف يمكن منعهم من التفكير كجيرانهم  وتقليدهم واستخدام نفس المعامل وقراءة تفس الكتب واستخدام نفس الأدوات؟  كيف وثورة الاتصالات ذاتها تعتبر محفزًا اضافيًا لاستمرار إعادة اكتشاف الانسان لنفسه بعيدًا عن تعدد وتباين الديانات والقوميات؟  بمعنى سيره قدمًا عام بعد عام وعقد بعد عقد نحو القناعة بوحدة الجنس البشرى أو العرق البشرى، وإدراكه لمدى غربته فى هذا الكون الشاسع الذى يتصف ببلادة الحس أو انعدامه، فيقينى أن كاترين العاصفة المدمرة لم تذرف دمعة واحدة على واحد من ضحاياها، ولم أسمع عن فيروس من فيروسات سرطان الثدى أحس بأى قدر من الندم لكونه تسبب فى جز صدر احدى الجميلات وتركها تكابد شقاءا شخصيًا لم تتخيل يومًا أن تعانيه. واتحدى من يدعى أن دانة واحدة غيرت مسارها شفقة أورحمة برضيع أو عجوز كانت فى طريقها إليه، عالم فى صعوده الحضارى أنتج الشيوعية وأنتج الاشتراكية وعرف الجمال وثمَّنه وعرف الموسيقى وذاب فيها وذابت فيه، أنتج الأمم المتحدة ومجلس الأمن (الأكتع ) ومنظمة حقوق الانسان ( ببلاهتها ) واليونسكوا بسموها واليونسيف بإنسانيتها وقاعة المزادات فى لندن حيث تباع لوحات الفن التشكيلى بالملايين، عالم انحاز تلقائيًا فى النصف قرن الماضى لكل الأمم المقهورة وحررها من الاستعمار، عالم تجاوز حقوق الانسان إلى حقوق الحيوان، كيف يتصور أن يقف هذا العالم صامتًا أو مكتوف الأيدى وهو يرى شعبًا صغيرًا تقوم دولة اسرائيل المدججة بكل أنواع الأسلحة بما فيها أسلحة الدمار الشامل بانتزاع أرضه وهدم بيوته والبناء عليها، وعندما يبكى أو يتألم لا يجد من يترفق به، وعندما يشكو لمجلس الأمن تقف أكبر قوة فى العالم لتكرس قهره؟ كيف يتحقق ذلك إلا عن طريق العزلة، بث الكراهية بين العالم من جهة والمسلمين من جهة أخرى، اقناع العالمين أننا لسنا منهم، عنصريون بالفطرة ولا نستحق الشفقة لأننا لسنا من نفس النوع نحن نوع آخر، وحوش، سفاحون، قتلة .

هنا بدأت السيناريوهات الخرافية، أو الشيطانية، المنتجة من معامل بنفس مستوى معامل الأبحاث التى انتجت النانو تكنولجى والمسبار الموجه للشمس وسلاسل الحاسبات والتليفونات المحمولة وفى  نفس مستواها من حيث الخيال والقدرة.  طائرتان تخترقان برجى التجارة العالمية، وأخرى تخترق مبنى البنتاجون،  فيقتل فى ذلك اليوم المشئوم ما يقرب من ثلاثة آلاف أمريكى مدني أعزل مسالم، يريد بعد انهاء عمله العودة الى أسرته وأولاده ولكنه لم يعد أبدًا، وكل عام وفى نفس المكان تعاد الجنازة يعاد الدفن البكاء والنحيب وتنصب اللعنات على المسلمين والعرب أعداء الحضارة، أعداء الأنسان، والعب يا ملعب، وزيد وعيد وكله بثوابه، وقبل هذا وذاك رأى العالم شبابًا أطلقوا على أنفسهم اسم فدائيين، ألقوا برجل مشلول يجلس على كرسي متحرك من سطح السفينة إلى البحر، ويتهم القزافى الحاكم المسلم بتفجير طائرة وعلى متنها ثلاثمائة راكب،  وتوالت الفواجع ذبح للرهائن وتصويرها وبثها لا يف على كل شاشات العالم، والقيام بتفجيرات فى لندن باريس بروكسل لا تستهدف الا المدنيين، نشر فواجع داعش وتصرفاتهم التى ترفع المسلمين من قائمة الآدمين لتضعهم فى قا ئمة الوحوش وتجعل منهم جنسًا آخر، عرقًا  مختلفًا، افتعال مشاكل مع المنقبات لا هدف منها سوى تسويق زيهم لتكريس الغربة بين الناس العاديين وغير العاديين ( المسلمين )، أخبار يومية عن المسلمين وجرائمهم البشعةـ افتعال قضايا من نوع سب الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام، محاولة حرق المصاحف بفعل مأجورين فى احتفالية يروج لها قس.

نحن أمام جريمة بفعل فاعل، وعيب علينا أن تقيد ضد مجهول لمجرد أننا لا نريد أن نفكر أو نتخيل أونصدق أو نتعب، والأبشع أن ندخل الشّرَك ونحن مفتوحو الأعين ، ولدينا كل هذه الحشود من المفكرين، والمثقفين، والناشطين السياسيين. تعالو نعمل قبل فوات الأوان، لننقذ ما يمكن انقاذه، تعالوا نقاوم العزلة، لا نقاوم الكراهية بالكراهية، العمل على نشر ثقافة التسامح، الإندماج، المشاركة، كسر سم من يملكون دنان السم الزعاف، أعتقد أنهم معروفون لمعظمنا، وربما جميعنا

                                    

تعليقات