حاضر الثقافة في مصر 6

 

                                حاضر الثقافة فى مصر 6

يستهوينى جدا متابعة مشكلة  البريكست ( خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربى ) وأتابعها بشغف  وكأنى أشاهد مسلسل بطولة يحى الفخرانى..فهذا الرجل يعطينى احساسا  بأنه حتما سيفعل شيئا يحسم به المسألة، وتنتهى الحلقة دون فعل أى شيئ، وتظل المسألة معلقة للحلقة التالية.  ( الأستاذ ) الله يرحمه هو أيضا كان يلتف حوله الناس باعتباره الوحيد الملم بخفايا المسألة، ما يعنى أنه الوحيد أيضا القادرعلى حلها، ويسيرون خلفه كالممسوسين، ينشدون الخلاص، وينتهى بهم الحال فى اليم. يتطلعون إليه وهم يغرقون فتلقاهم ابتسامته الخللابة، الواثقة، المشجعة، فيواصلون الغوص بقدر لا بأس به من الرضا، أما فيما يخص أصحابنا إياهم فيقيمون للاستاذ مقاما كمقام الولى، يحتفلون سنويا بذكراه وذكرى شهداء مدينتهم من زبائن الفردوس. حاجات غريبة تحدث عندنا فى الشرق. ( الأستاذ ) هذه المرة أستاذ إدارة أعمال، طول بعرض بوسامة وشياكة، صوت جهورى، وشخصية هرقلية، وفى محاضراته يكون المدرج على آخره، والطلبة اسكت هس، موضوع المحاضرة كان ما يسمى " متجر المخزن ومخزن المتجر"  عنوان يخض، ويصعب عليك فهمه بمفردك، لازم مساعدة ..وخذ عندك ساعة كاملة ونحن جالسون وكأن على رؤوسنا الطير تجمعنا وحدة الهدف ..حل اللغز .. متجر المخزن ومخزن المتجر.  تم المراد من رب العباد، وخرجنا من سطوة الدائرة الكهربائية للأستاذ، ولامس الهواء الطلق وجوهنا الغضة، انفجرت ضاحكا وسط تساؤل زميلاى عما يضحكنى .. فيا سيدى القارئ متجر المخزن  يعنى ـ مثلا مثلا ـ لوأنك تدير محل بقالة ووضعت على الرف عددا من قطع الصابون اللازمة لمبيعات يوم واحد، وزدت عليها عددا آخر لطلبات اليوم الثانى و الثالث فهذا هو متجر المخزن، وإن اتخذت مخزنا منفصلا عن المتجر ووضعت فيه ما تشاء من قطع الصابون فهذا هو مخزن المتجر.

أضحك أم لا ؟ لما كبرت استغلطت نفسي..الأصح أن أبكى لا أضحك، فتركيبة العنوان تنطوى على  إلتباس مقصود

يا أمجاد السماوات، الدنيا مقلوبة، العالم واقع فى بعضه، الدم للركب. (الأستاذ )  أعلن أن  "الحاكمية لله" وهات يا كلام وهات يا حديت وامسك البنت يا جدع واذبح يا أخينا وفجر يا مولانا.

اجبنى إذ سألت..هل يمكن أن تكون الحاكمية لغير الله؟ انطق .. وكيف تكون لغير الله وهو الخالق العظيم؟ اعقِل، لا تريد أن تعقِل بمفردك حسنا سأساعدك، هات قطعة صلصال، واصنع عدة تماثيل، أوقفهم أمامك على المنضدة فى صف واحد أو صفين، ثم نومهم على وجوههم، ثم على ظهورهم، ثم على أجنابهم، ثم اجعل رؤوسهم تحت وأرجلهم فوق، ثم دوسهم بالجزمة، وبعدها اسأل نفسك  لمن الحاكمية؟ ..من صاحب الأمر  والنهى؟ من ربهم الأعلى؟ هل يمكن أن يكون أحدا غيرك، أو غير من تنيبه عنك؟..خلصت أم لا؟

منذا الذى صورها اكتشافا، ونصبها قضية، وأسماها حاكمية، وحجب عنها كلمة حُكم، اللفظ الشارح لنفسه،المتداول، ألا نقول ليل نهار "الحكم لله من قبل ومن بعد"  أم أن لعبة ( الثلاث ورقات ) تحتم  أن تكون الوليمة عقيقة والجمهورية جماهيرية؟ ثم من نزعها من دائرة البديهيات؟ من جمع حولها الناس ووزعهم على دوائر الجدل؟ أليست براعة الاستاذ؟ لؤم الأستاذ؟ صوت الأستاذ؟ صورة الاستاذ؟  كيميا الأستاذ؟ الفاعلية الكهربائية للأستاذ؟ أو بشكل مختصر كاريزما الأستاذ؟.. كاريزما الشخص.. "سعد سعد يحيا سعد" ناصر ..كلنا بنحبك ناصر يا حبيب االكل با ناصر، أليست هذه أدوات صنع الغيبوبة؟

المحير أن الغيبوبة بطبيعتها حدث مؤقت، حامل لصفة الاستثناء لا القاعدة، إلا عندنا.. تمتد لعقود، وربما لقرون..تصنع لنفسها جذورا وتوافقات وتلفيقات تضمن لها البقاء أبد الدهر، والانتقال من خانة كاريزما الشخص إلى كاريزما الموضوع  "الحاكمية لله" كاريزما العبارة "الاسلام هو الحل" "الاستعمار وأعوان الاستعمار"  " شرع الله " كاريزما اللفظ الزعيم، الحاج، الباشا 

عمانويل كانط يرى فى كتابه " نقد العقل الخالص " ما معناه ـ على حد فهمى المتواضع وبصياغة من بنات أفكارى إن شا الله ما اعدمهن، أن الدماغ البشرى بعد خروجه المظفر من الرحم، تتشكل بداخله وحدة موازية، من جنس مختلف تماما عن البنية التشريحية التى قوامها الخلايا العصبية والشعيرات الدموية  والمخيخ والفص الأيمن والفص الأيسر ألخ، هذه البنية التحتية أو الأساسية، والتى أسماها كانط  المقولات هى فى حقيقة الأمر التى تحول الدماغ إلى عقل، إذ تخرجه من عتمة الجمجمة ومحدوديتها إلى ضوء الوجود وبهائه ولانهائيته، وتعطيه صلاحيات مهولة، وبلا حدود،  وقدرة فائقة على بناء الحياة وتدميرها، وهذا الذى اصطلح على تسميته عقلا مع عجز مزمن عن تعريفه تعريفا يحيط به من جهاته الأربع الأصلية، لا يرتكز مثل الدماغ على فقرات الرقبة وإنما على قاعدتين ـ لا وجود مادى لهما ـ  هاتان  القاعدتان متساويتان فى الأهمية،  متلازمتان فى الوجود، متباينتان فى الوظيفة، وإسمهما الزمان والمكان أو الزمكان..هذا الزمكان والذى لا نعرف كنهه، والقابع بداخلنا يعمل فى صمت، مقدما لنا أعظم الخدمات، بدون مقابل، وبانكار ذات لا مثيل له، فهو لا يعلن لنا عن وجوده وخطورته وفضله علينا إلا لحظة استردادنا لوعينا ـ إن فقدناه ـ  ممثلا فى سؤالين لا بديل ولا مرادف ولا جنسية لهما، أنا فين؟ والساعة كام؟ وعند تلقى الاجابة يزول هلعنا، لشعورنا بأننا أمسكنا بطرف الوجود من جديد، هاتان القاعدتان المتلاصقتان المتباينتان واللائي لا وجود مادى لهما، تشيد فوقهما المقولات الاثنى عشر لكانط كمعطيات أساسية لنظرية المعرفة، كالقياس والعلية والتعددية ألخ وهى كما أوضح كانط  قبْلية أى سابقة على المدخلات ( الظواهر الحسية ) ولكن ليست سابقة على الدماغ، ومتعالية  ( صاحبة عصمة ) أى أنها لا تقبل من المدخلات إلا ما التزمت بشروطها القبْلية، وإلا فهى بالنسبة لها صفر حتى لو كانت جبل المقطم بذات نفسه، من الآخر  بدون هذا البناء يكون العقل لا أكثر من 1.4 كيلو جرام من  الخلايا الوردية المتلاصقة، التى وإن كانت حية وتقوم بكل وظائفها البيلوجية والفسيلوجية، وفى حراسة مشددة من مواد القانون الجنائي، ومشمولة بعطف وكرم القانون المدنى، إلا أنها تبقى دماغا لا عقلا، ويكون الوجود من حوله عدما، ولدينا فى عصرنا الحالى مثل رائع يُسهِّل فهمنا لفكرة كانط وهو الحاسب الآلى..يخرج من مصنع الأجهزة الالكترونية ( الرحم ) كغيره من الأجهزة، توصلها بالكهرباء تشتغل. إن كانت تليفزيونا تعطى صوتا وصورة، إن كانت راديو تعطى صوتا فقط، إلا الحاسب الآلى توصل له الكهرباء وتعمل ON  ينور ويفعل كل ما من شأنه إثبات وجوده كجهاز إلكترونى تام الصنع، لكن تقول له " مجِّد سيدك " ولا كأنك قلت حاجة، لما؟ لأنه ينقصه بنية أخرى، من جنس آخر هى البرمجة، الواقعة فى نطاق ما يطلق عليه السوفت ويرsoft wear  فهى فقط التى تفتح له الطريق للوصول لعالم EPISTEMINOLGY  نظرية المعرفة، عمبر مختلف تماما عن عمبر الHARD WEAR  المليئ لحبة عينه بالترانزستورات والآي سيهات والمقاومات والمكثفات ألخ. وهى قبْلية أى سابقة على المدخلات، وإن لم تكن سابقة على وجود الجهاز كوحدة إلكترونية تامة الصنع، إلى جانب الصفة الثانية التى حددها كانط " متعالية " لا يستطيع المستخدم إضافة أو حذف أو تعديل أى شيئ فيها، إذ لابد من المبرمج ...المستوى الأعلى.

هل الهارد وير ( القلب والمعدة والأعصاب والغرائز ألخ) فيما يخص عقلنا الجمعى كأمة عربية وربما إسلامية تمام التمام..نأكل ونشرب ونتحرك ونعمل ونتقاتل ونتزاوج وننجب، ومن حيث السوفت وير..الاستنباط الاستقرائي القياس العلية ألخ  به عوار ما؟ كسل ما؟ ترهل ما؟ تيبس ما؟  بمعنى آخر هل نعرف أين نحن وفى أى زمن نعيش بالدقة وبالحساسية الواجبة وبالمستوى الذى عليه الدول المتقدمة؟ هل مقولات كانط تعمل بالكفاءة الواجبة؟ هل الجدار الكانطى الذى يفصل بين الميتافيزيقا (الغيبيات) والفيزيقا (الواقع الحسي اليقينى)  بحالة جيدة أم تهدم من بعض جوانبه، وساحت الميتا فيزيقا على الفيزيقا؟ المطلق على النسبى، واختلطت التصورات العقلية بالظاهريات  الحسية، وأصبحنا أمام نوع فاخر من سلطة بابا غنوج؟

أكاد أرى قارئي العزيز يلقى بالجرنال جانبا قائلا ناقصاك اياك؟ أنا فى بيتى وفى فترة راحتى وتأتى أنت لتدفع بى إلى قاعة محاضرات؟ أقرأ لأهضم اللقمة وتأتى  أنت لتسبب لى عسر هضم بفلسفة كانط " وأسمعنى أقول له من فضلك لحظة واحدة. امبارح يا سيدى القارئ كنت راكبا تاكسي وسألت سائقه الذى لايعلم إلا الله ما وصل إليه حاله من فاقه، والذى أثق أن سيارته ما أن تستهلك هذه المرة فلا احلال ولا تجديد. "لازم شركة أوبر أخذت زبائنكم وأثرت على دخلكم ؟ رد قائلا كله بيرزق من فضله يا بيه، مفيش حد بيبات من غير عشا".. أخذوا رزقه، أخذوا اللقمة من فمه، ولا أحد يبيت من غير عشاء.. ونعم بالله يا ابنى ( دا انا ) لم أقل له أين نقابتك لتحميك وترفع من مستواك المادى والمهنى والأخلاقى؟ وأين حكومتك؟ ولماذا تسمح بتعريفة مفتوحة لأوبر وتعريفة خانقة لك؟ أم هى حلال للأجنبى حرام لابن البلد؟ سكت..ولازم أسكت لأن الموضوع كبير وأبعاده شاسعة وداخل فيه خيبة الأمل والفساد.    

 رد السائق سيدى القارئ ميتافيزيقا ( غيبيات )..انتزاع أوبر اللقمة من فمه وحصولها على زبائنه وتحويل 25% من أجرة كل مشوار يدفع قيمته المواطن المصرى المسحول لبلدها لتمويل الشمبانيا والكافيار فيزيقا (واقع حسي). أين الفلسفة هنا؟

أظن أن وضعنا المتردى كعرب وربما كمسلمين يفرض علينا التواضع نوعا، وإعادة النظر فى شأننا العام، وسؤال أنفسنا هل نحن فعلا نجيد استقراء  نصوص الوقائع، ولو الخط صغير لدينا نظارة معظمة، ولو الجمل مكعبلة لدينا محللين ومفسرين ؟ 

                                          نبص

عام 1989 سقط الاتحاد السوفيتى، بسقوطه انتهت الحرب الباردة بين القوتين العظميين  ..كانت حربا بالنسبة لهما أما بالنسبة لنا ولكل دول العالم الثالث فكانت خيرا وبركة. هذه الحرب الجليلة صنعت عالما جديدا كان فى طريقه ليصبح محترما..بعثت الروح فى هيئة الأمم المتحدة ..ارتفعت قيمة أصوات الدول الصغيرة بسبب المنافسة عليها من القوتين الأعظمين، منحت شهادة العالمية لزعماء بلدان رزحت لعقود تحت نير الاستعمار الغربى، وكأنه رد شرف أو نوع من الاعتذار، وهم عمنا  جواهر لال نهرو وخالنا أحمد سوكارنوا، وحبيبنا المجدع  جوزيف بروس تيتوا وزعيمنا المبجل جمال عبد الناصر..فى هذه الفترة الذهبية من عمر البشرية، بلغت الأمم المتحدة  من القوة حدا أعطى لأمينها العام داج همرشولد الحق فى مخاطبة الدول كبيرها وصغيرها وكأنهم تلامذة وهو حضرة الناظر، فيقول فى خطاب له بمناسبة العدوان الثلاثى على مصرإن مبادئ ميثاق الأمم المتحدة أهم بكثير من الأهداف السياسية لأي دولة ..إن كان للدول الأعضاء وجهة نظر أخرى  فمن حق هذه الدول كما أن من حق الأمين العام أن يتصرفوا تصرفاً آخر ) أى استقالتى جاهزة، فلزم الكل حدوده .

 بانتهاء الحرب الباردة أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية القوة الأعظم فى العالم بلا منافس، هل قدرنا هول هذا الحدث؟ هل أعددنا العدة لاتقاء آثاره؟ هل رسمت أى دولة عربية استراتيجية جديدة لكيفية التعامل مع الولايات المتحدة بوضعها الجديد؟

                                          نبص

ـ قام صدام حسين بغزو الكويت واحتلالها، قاد جورج دابليو بوش الأب تحالفا بحيثيات دولية، وحرر الكويت العربية من احتلال دولة عربية ( دخول فى الكرش العربى )

ـ بيل كلينتون الرئيس التالى للولايات المتحدة منفردا وعلى سبيل التسلية ظل يضرب شمال العراق بالطائرت، رغم أنه بلد مستقل وذات سيادة وعضو فى الأم المتحدة وجامعة الدول العربية (استهانة متعمدة بميثاق الأمم المتحدة

فى 11سبتمبر 2001 هاجمت ثلاث طائرات مركز التجارة العالمى ومبنى البنتاجون، أسفر الهجومان عن 2900 قتيل وآلاف من الجرحى، إلى جانب الخسائر المادية، المقاتلات اليابانية فى عام 1941 هاجمت القاعدة الأمريكية فى ميناء بيرل هاربر وأسفر الهجوم عن موت  2400 وجرح 1200 من الجنود الأمريكيين بالاضافة إلى الخسائر المادية، مسحت الولايات المتحدة مدينتى هيروشيما ونجازاكى من فوق سطح الأرض، ضحايا بيرل هاربرأقل من ضحايا هجوم 11 سبتمبر،هجوم بيرل هاربر وقع فى خارج الأراضى الأمريكية، هجوم سبتمبر وقع فى قلب الولايات المتحدة،  ضحايا بيرل هاربر جنود ضُربوا وهم فى معسكر ومعهم كل المطلوب للدفاع والهجوم، ضحايا 11 سبتمبر مدنيون لا حول لهم ولاقوة، كانوا يؤدون عملهم لا بهم ولا عليهم، فجأة انطبقت السماء على الأرض، احترق من احترق، اختنق من اختنق، دهس من دهس "بنتكلم عن بنى آدمين على فكرة ومواطنى أقوى بلد فى العالم"  وكل واحد وكل واحدة من الضحايا أو الجرحى له حكاية شكل، وله أقارب، وأولاد وزوجة أو زوج، وستبقى الحكايات حية لعقود، والملف تحت طلب المزايدين والمنتفعين، والأيدى القذرة وبه يجددون الكراهية عاما بعد عام من خلال حفلات التأبين والخطب الرنانة.. واحسبها

أمريكا                                  

دولة؟ ..نعم ..لكنها فى نفس الوقت تجربة انسانية فريدة فى نوعها..كيف؟ أقول لك ..لو سألت المواطن الروسي عن جنسيته يقولك روسي ويسكت، الصينى يقول صينى ويسكت، اليابانى المصرى كله كله إلا الأمريكى لا يقول أمريكى ويسكت..يكمل.. من أصل بريطانى، صينى، باكستانى. أيضا، الولايات المتحدة هذه يمكن تشبيهها بالبوتقة أو الحلة  البريستو، تجمع فيها مختلف الأعراق والأجناس والثقافات والديانات، وتركت لتنضج، والنتيجة لا بد أن تسفر عن أمة بتركيبة جديدة على الانسانية، تجانسها أساسه إنسانية الانسان لا عرقه ولا ثقافته ولا دينه، ولأنها تجربة جديدة..بلا تراث جمعى موحد، ولا أعراف سابقة، وكمجتمع لم يمسسه مزيج الواقع والأسطورة أو خليط الميتافيزيقا والفيزيقا، كالمجتمعات القديمة والعميقة، ولا مرجعيات جمعية يقاس عليها، أو تلعب دور البوصلة. بسبب كل ذلك كان لابد أن تكون المصلحة ولا شيئ غيرها هى مرجعيتها، بوصلتها، والفلسفة البراجماتية ولا غيرها هى فلسفتها. ومع ذلك يجب ألا يفوتنا أن  من المبكر الحكم على تجربة بهذا الحجم، أولا لأنها لم تعط كل ما عندها بعد إن كان خيرا أم شرا، ثانيا التاريخ الانسانى ليس به تجربة من هذا النوع يمكن القياس عليها.  وفى ظنى وأرجو ألا أكون مبالغا، أن كل انسان على وجه الأرض له علاقة ما بهذه التجربة، فلو أى شخص زار الولايات المتحدة لأول مرة  فيقينى أنه لن يشعر  بحدة الغربة كما يشعر بها فى أى بلد آخر، لأنه سيكون غريبا حاليا بين غرباء سابقين، حتى لو معهم جنسية،  فحكايات الآباء والجدود عن خطواتهم الأولى على هذه الأرض تشكل جزءا هاما من الثقافة الأمريكية. ويمكننا  القول أن مثل هذه التركيبة السكانية يصعب إن لم يكن يستحيل حدوث تطهير عرقى بها، وأن كنت لا أنكر وجود حالات فصل عنصرى، إلا أنها كما نرى تتضاءل بمرور الزمن وليس العكس كما هو الحال فى بلاد أخرى، ذلك بسبب حتمية التعايش مع الآخر، وشيوع التسامح القسرى، والأمريكى بطبعه محب للحياة وهجره لموطنه الأصلى بحثا عن الحياة  الأفضل خير دليل على ذلك، وهذه الروح الوثابة تنتقل من الأباء والجدود إلى الأبناء والأحفاد، وكيف يمكننا تجاهل  الأفلام الأمريكية التى تربينا عليها وكيف ننسي طرزان وصديقته شيتا وحبيبته نيوكا، وكيف أنه رغم بدائيته وقوته بالغ الرقة والانسانية والشهامة، وأحببنا أفلام الكاو بويز والشريف الذى وإن كان يتباهى بسرعته فى اطلاق النار إلا أنه لا يستخدم براعته تلك ألا فى مواجهة الأشرار الذين يهددون أمن أبناء المدينة الطيبين، وكم أضحكتنا أفلام هوليود وأبكتنا، وأفعمت نفوسنا بروح المغامرة، وأحببنا أبطالها جارى كوبر جيروجرى بيك كلارك جيبل مارلين مونرو جين فوندا أودرى هيبورن ولا يمكن نكون أحببناهم إلا إذا وجدنا أنهم يشبهوننا ونشبههم وأولاد بلد مثلنا، كما أن اهتمام المواطن الأمريكى بالسياسة الدولية  محدود، وليس له تاريخ استعمارى لأن موارد بلده تكفيه..بالحس الاسلامى يمكن اعتبار ما بين الولايات المتحدة  وبين الشعوب الاخرى صلة رحم..والعديد من المصريين فى هذه اللحظة لهم أبناء وأحفاد أمريكيون، أنا واحد منهم بالمناسبة، وبالحس السياسي ممكن اعتبارها كونجرس عالمى به ممثلين لكل شعوب العالم، وتعتمد قوة تمثيل بلد ما فى هذا الكونجرس العملاق على قوة الجالية المنحدرة من سلالته، ولو أضفنا أنها بلد ديمقراطى والديمقراطية بطبيعتها بها العديد من الثقوب التى غالبا ما تتحول لملاعب، تسمح لللاعبين من مستخدمى الأيدى القذرة باللعب والشوط فى التمنيات، وتسمح بوجود لوبيات وضغوطها على الإدارة مسموح بها، بشرط ألا تضر بمصالح البلد الأم، لكان لذلك دلالة يُعمل لها ألف حساب، وتجهز المعامل لدراستها والرد عليها فورا ... هل فعلنا ؟                 

                                        نبص 

عقب الكارثة، الحكومات العربية أعلنت كغيرها استنكارها لما حدث، وهذا جيد لكنه للأسف لم يرق للمستوى المطلوب، فهو ليس إعصارا من صنع الطبيعة والطبيعة لا يمكن معاقبتها، أو جريمة فاعلها مجهول فاستحالت محاكمته، إنهم مسلمون عرب، والمجنى عليه هو الشعب الأمريكى ذاته لا حكومته أو جنرالاته أو مخابراته، المجنى عليهم  مواطنو أكبر قوة فى العالم، ( اصح للون، ضرب فى العضم يا باشا  ) والجريمة لها هدف واضح..خلق كراهية مزمنة من الشعب الأمريكى للعرب والمسلمين، لأجل تقزيم فعاليات الجالية العربية والاسلامية حتى لا تقاوم أو تعارض تمرير بنود فى أجندات شيطانية معروفة لنا، منع نشوء وارتقاء أى فيتو شعبى على ممارسات ظالمة تتخذ بحق العرب، ومنها على سبيل المثال الفيتو الأمريكى المشهر بصفة دائمة فى وجه حقوق الفلسطينين وليتها السياسية فقط بل تعدتها إلى الانسانية. أى محلل سياسي مبتدئ لابد أن يصل إلى أن البلهاء الذين قاموا بهذه الجريمة ليسوا إلا أداة لكيانات أكبر، خططت ووزعت الأدوار وقدمت المعلومات والتقنيات والتوقيتات البالغة الندرة والسرية لمنظمة القاعدة المخترقة بحكم تركيبتها العشوائبة، والبدائية، وضبق الأفق السياسي والحضارى لزعاماتها. إزاء وضع بهذه الحرفية وهذا التعقيد كان يلزم اجراءت مختلفة تماما، أهمها التعامل مع الشعب الأمريكى لا الحكومات، مثل تشجيع الشارع العربى على التظاهرات استنكارا لهذا الفعل الشنيع، تضامن فورى مع أسر الضحايا مشفوعا بتبرعات سخية تقدم من أغنياء العرب وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية، مقاومة الفعاليات الاعلامية التى تعمدت عرض شماتة البلهاء وقصار النظر والمتشددين الاسلاميين فى الحادث وضحاياه، سرعة مواجهة التعبير المعد مسبقا والترويج له ( الاسلامو فوبيا ) والدفع بشعار مضاد ( الاسلامو لف ) . 

وتوالت مصائب العرب وكان من المحتم أن تتوالى 1ـ قام جورج دابليو بوش الابن بغزو العراق وتدمير مقوماته المادية والمعنوية بتهمة لم تثبت رغم المحاولات المستميتة لاثباتها  " أمتلاك أسلحة دمار شامل" 2 ـ فى سجن أبو غريب عراقى حسيب نسيب تجره مجندة أمريكية من رقبته وهو يسير على ركبتيه كنوع من التنكيل بواحد من العرب الذين هاجموا أمتها وقتلوا مواطنيها 3 ـ فجرت الكيانات القانونية للدول العربية من الداخل فى محاولة من باراك أوباما لتسليم الحكم تسليم مفتاح للجماعة الارهابية كرشوة حتى يتقى انفلاتها  4 ـ دونالد ترامب اعترف بالقدس عاصمة لاسرائيل 5 ـ منح مرتفعات الجولان لاسرائيل ( منحة ممن لا يملك لمن لا يستحق مرة أخرى ) 6 ـ صفقة القرن لا نعرف حتى الآن ما اخفى فى دهاليزها 6 ـ غزة محاصرة من اسرائيل كعقوبة جماعية من 2005 والفيتو الأمريكى يقف حارسا لهذا الحصار 7ـ جدار عنصرى يهتك وحدة أراضى الضفة الغربية 8 ـ مستوطنات تبنى وتلتهم أراضى الضفة الغربية 9 ـ  أراضى تصادر وبيوت تهدم أمام عين أصحابها  ولا أحد يفتح فمه 10 ـ هناك كلام عن ضم غور الأردن لإسرائيل. 11ـ ظهر للوجود عرف دولى ملزم..عندما يكون الفلسطينى هو  الضحية فلا وجود لهذه ( التقليعة ) المسماه بحقوق الانسان.

عندما بكون الخلل فى مقولات كانط أو قواعد المنطق الأروسطي بربكم فى أى خانة توضع المشكلة ؟ الثقافة ؟ أم السياسة؟ ....هذه هى المسألة

 

تعليقات