حماقاتى

  

حماقاتى ....................منشور بصحيفة القاهرة فى 2017

                          

حماقاتى لا تحصى ولا تعد، لم يحدث أن دخلت فى مشاجرة غير مع ملاكم أو مصارع، وقفت فى ندوة انتقد، تظنون من ؟ عباس محمود العقاد، وأقول ماذا ؟ أقول أننى عندما أقرأ له أشعر أنه يضع العنوان أو الفكرة ابتداءًا ثم يبحث عما يؤيدها وأنا أرى العكس هو الأصح، أخذ الحاضرون ينظرون لى من فوق لتحت، وفى زيارة لفاروق حسنى لإتحاد الكتاب وخلال اللقاء، قلت للوزير فى وجهه " التاريخ لن ينسي أبدًا أن التراث النادر للسينما المصرية بيع تحت سمعكما وبصركما أنت وصفوت الشريف، ولم تمدا أيديكما لإنقاذه، رغم علمكما أن المشترى سيقوم بتشفيره، وسيحرم التليفزيون المصرى من خصوصية هى من حقه، ويمنع المشاهد العربى من البحث عن الفضائيات المصرية عله يلتقى بأحبائه من رفقاء طفولته وصباه وشبابه اسماعيل يسين فاتن حمامة عبد الحليم حافظ وغيرهم، وحرمتم المشاهد المصرى الفقير من حصته فى فنون بلده، وحرمتم مصر كلها من إطلالة على الزمن الجميل، وأنتما من أكثر الناس إدراكًا لخطورة ذلك على القوة الناعمة المصرية ـ لم أكن أعلم وقتها أن التاريخ يمكن أن يصاب هو الآخر بالزهايمر ـ  صرخ فى سلماوى لأصمت، وصرخت فيه لأستمر، واستمر الصياح هو من فوق المنصة وأنا من تحتها  .

أما عن حماقة اليوم فهى عن العشوائيات التى يجمع الفنان الكبير محمد صبحى التبرعات للتصدى لها، رئيس الوزراء السيد محلب عين الدكتورة ليلى اسكندر وزيرة للعشوائيات، وهناك إعلانات أخرى تقول انقذ أخوك العشوائي   ألخ، كلها مجهودات رائعة، وتعتبر إفرازًا طيبًا لثورة 25 يناير.

أحلف يمين الله أن الأموال التى ستجمع للقضاء على العشوائيات ستفوق كل تقديراتنا، فنحن شعب لا تنقصه الشهامة، ولو أفصح عبد المنعم أبو الفتوح عن حجم ما جمعه من تبرعات لمساعدة أبناء غزة فى السابق لأصابنا الذهول، ولو أفصح الشيخ صالح كامل عما جمعته مؤسسته للزكاة لتزايد الذهول، كما أجزم أن الهيئات واللجان ألتى ستُشكل والندوات واللقاءات ألتى ستعقد لهذا الغرض ستفوق تخيلاتنا، ومع ذلك وهذه هى حماقة اليوم " مشكلة العشوائيات لن تحل " والسبب هو طريقتنا فى التعامل مع مشاكلنا، نبدأ فى حلها دون التعرف عليها، والبحث عن جذورها، لم نعرف من هو العشوائي، ولو عرفناه سنضرب له تعظيم سلام، هذا العشوائي ليس من أصحاب الإعاقة ولا أهطل ولا ذو غفلة، هو مواطن صحيح البدن، يملك طاقة تهد جبال، وعنده عزة نفس يضرب بها المثل .

رجل فى مقتبل العمر لا يجد عملا يقتات منه فى قريته، ركب القطار القادم للقاهرة، وقف فى المكان الذى يقف فيه الفواعلية، وجد فى جيبه آخر النهار 70 جنيه، يريد النوم تحت سقف ما، أخذه عشوائي سابق، إلى منطقة عشوائية أنشأها عشوائي أسبق على قطعة أرض فى مكان دخل دماغه، وضع عليه يده، وهلاهيله، وعزمه، وإصراره، وكبرياءه، واحتقاره الفطرى للبيروقراطية، وحبه للحياة، وتحديه وازدراءه للأفنديات، وتنكبه للطرق الملتوية والمعقدة ألتى يسلكونها كالفطنة والكياسة والقانون ألذى فيه زينب، العشة وحمام الخرابة أخذا مكانهما، شد تليفون للبلد، أتت الزوجة والأخوة، العشة أصبحت بيتًا به حجرات للإيجار وحمام مشترك، جاء غيره، قلده، أصبح حيًا وله إسم ـ فى الغالب إسم من  وضع له حجر الأساس ـ وعنوان، وتتجمع الميكروباصات على مدخله بقدرة قادر، ويتزاحم عليه البائعون من كل نوع، وأتوبيس النقل العام يوقف على مشارفه رغم أنف الهيئة التى ترفض الإعتراف به كحى .

العشوائي يابا الحاج منك له، ويا فنان ويا مثقف، ليس شحاذًا، ليس معاقًا إنه مثلنا فرعون من صلب فراعنة، قادر على فرض إرادته، أقام حيًا بدون " بادجت " وبالجدعنة، وفى المكان الذى راق له، حيًا  يعمل له مأمور القسم المجاور ألف حساب، وينمو كللو بحجم الليمونة فى رأس رئيس المباحث، وبحجم البطيخة فى رأس مدير الأمن، وتنطلق الهانم من المهندسين لمقابلة الشيخة لتقرأ لها الفنجان، أو تعمل لها عمل من أجل الخلف، أو تحويطه للزوج تحرسه من عوامل التعرية، ويذهب له البيه من أجل شراء الكيف، ويذهب له ابن طبيب مشهور ليخطب فتاة أحلامه التى تصادف وجودها فى الجامعة إلى جواره، ويخرج منه فى الصباح شباب مثل الورد، مهندسون  ومحامون وصنيعية، وغيرهم، للنشل والبلطجة وخطف الحقائب، وغيرهم ينبثقون منه كالقيح لينضموا للإرهابيين ويفجروا أنفسهم فى صميم وطنهم، حى يا اخوان حى، والأدهى والأمر أن له كلمة مسموعة فى انتخابات المجالس النيابية، بسبب تربيطات المرشح مع المعلم الحائز على أعداد ضخمة من البطاقات الإنتخابية، أنتم تتكلمون فى ماذا ؟ ألعشوائي الذى تتحدثون عنه عزل مبارك قبل أن نعزله فى ثورة 25 يناير 2011 .

ألعشوائي المبتدئ إيراده الشهرى بالمَيِّت ألف وخمسمائة جنيه، جاهز لدفع مائة إلى مائة وخمسين جنيهًا الآن لإستئجار حجرة وحمام مشترك، ولكن شرطه الوحيد هو الآن، ألمعضلة تتركز فى "الآن" فهى ال ( engin ماكينة تفريخ العشوائيين والعشوائيات، وفى الوقت الذى يعمل الفنان الكبير على معالجتها ببناء مدارس كذا وكذا، وبناء دار للسينما ونادى يلعب فيه أولاد العشوائيين، وتعد العدة للتصويربالفيديو والنشر على اليو تيوب، فى الوقت ألذى يعد فيه مائتين أو ثلاثة أو ألف مسكن سيعلن عنها فى مؤتمر صحفى، وستكون موضوعًا للحديث فيما يتيسر من برامج التوك شو، وسيفعل مثل ما كان يفعله وزراء إسكان مبارك إذ يقدمون لنا رقمًا شائها ( بسطًا لا مقام له ) نصف أعلى بدون نصف أسفل حتى نعجز عن رؤية الصورة كاملة، ونعرف إلى أى مدى ساهم رقمه فى حل المشكلة، حل ربعها خمسها عشرها ؟ وصدقونى فى أثناء مؤتمره الصحفى ستنبت عشوائيات جديدة وتنتفخ العشوائيات القديمة، ذلك لأن الذى نحاربه هو أندر إيجابيات الأمم " ألخصوبة، الروح الوثابة، الطلب الفعال " الراجل فلوسه فى إيده وعاوز يشترى الخدمة الآن ( حجرة للإيجار ) يريد رغيف عيش بطعمية،  وأنت تصر على عرض طبق أرز باللحم، والحلو مهلبية، وتنتهى المسألة بأنك لا تقدم هذا ولا ذاك، وسيعذرك الناس لأن من أين ستأتى بالمهلبية، لكن فى مسألة العيش والطعمية هيكلوا وشك .

عندما نملك عناصر الإنتاج الثلاثة " الأرض، رأس المال،العمل" بهذا الحجم المهول، أرض صحراوية بالهبل، عمالة مرطرطة فى الشوارع، أموال متراكمة فى البنوك مكشوفة الظهر فى انتظار لصوص القروض، وتكون لدينا مشكلة إسكان تفرز طوقًا قاتلا حول مدننا . فماذا نقول عن أنفسنا ؟ وهل تكون المشكلة فى الرويقة أم فى باب اللوق ؟ فى العشوائي أم فى عضو مجلس الشعب ؟ ألذى لم يقف أبدًا ويقول لوزير الإسكان كيف يكون لديك عوامل الإنتاج الثلاثة بهذه الوفرة وتعجز عن حل مشكلة الإسكان، من فضلك أرنا عرض اكتافك .

يا فخامة رئيس الوزراء، يامن كنت وزير إسكان سابق، وكنت رئيس أعرق  شركة مقاولات فى مصر، وربما فى الشرق العربى، معاليك تعرف، ونحن نعرف، أن محدودى الدخل لا يملكون مقدم التمليك ـ مهما صغر ـ ومن يملكه منهم عدد متناه الصغر، أما الأغلبية الساحقة فلا تملك غير القيمة الشهرية لعملهم، يمكنهم تخصيص عشرة فى المائة منها كإيجار شهرى لوحدة سكنية، يعنى جاهزون بمائة جنيها ومضاعفاتها حتى ستمائة جنيه، ويبحثون عن مسكن بالإيجار يتوافق مع دخولهم ( قوتهم الشرائية ) ولا يجدون، وهذه كارثة، اصنع لهم وحدات بالإيجار بنماذج متنوعة، بتكلفة تساوى القيمة الحالية لإيجار عشرة أو خمسة عشرة سنة بدءًا بحجرة وحمام مشترك، وحجرة بحمام خاص، وحجرتين وصالة، وهكذا، استعوض القيمة الحالية بقرض من البنك بالفائدة الجارية حتى تتمكن من بناء غيرها، وضيف هامش ربح معقول لأنك ستبنى ملايين الوحدات الآن، وستكسب الآن، والشباب سيسكن الآن  . ستجد من يقول هذا كلام نظرى من  كاتب ليس لديه فكرة عن البطيخ، آمنا بالله، تكلم أنت يا مهندس وقل لنا بكم تتكلف الحجرة والحمام المشترك مع صافى ربح خمسمائة جنيه، وتكلم يا محاسب وقل لنا القيمة الحالية لقسط مائة جنيه يحصل عليه البنك لمدة عشرة أو خمسة عشرة سنة شاملة الفوائد، وتكلم أنت يا قانونى هل قانون الإيجارات الحالى يحمى حقوق البنك أم لا فى حالة توقف المستأجر عن الدفع، تكلموا أنتم يا أهل الذكر بفرض منح الدولة الأرض بدون مقابل كما منحتها للشركة الإماراتية، أم أن هناك خيار وفقوس ؟

" ألشعب لم يجد من يرفق به " عبارة ستحتل مكانًا مرموقًا فى تاريخنا الحديث، قالها الرئيس السيسي عندما رأى من يغتصب الحكم من يد من قاموا بالثورة، وفى ظنى أن من وقف إلى جوار ثورتنا فى 30 يونيو لتخليصنا من قبضة هؤلاء الطغاة قادر أيضًا على الوقوف معنا لتخليصنا من قبضة هؤلاء الجبابرة ألذين يرفضون حل مشاكلنا القابلة للحل لأن هناك مصالح واحتكارات فى حاجة إلى الحماية .

الطلب ألمهول والمدعم بقوة شرائية ليس على التمليك وإنما على التأجير، فما هى القوة الجبارة التى تدفع فى اتجاه البناء للتمليك وترفض تشجيع البناء للتأجير ؟ هل هدفها تفجير البلد ؟

 أنا أقولها مدوية البناء للتأجير هو حصان طروادة الذى سيحل مشكلة الإسكان، ويخفف من حدتها فورًا، فالطلب على التمليك رغم ضخامته التى نراها ونلمسها لا يمثل أكثر من واحد فى الألف من الطلب على التأجير، وكل المطلوب من الدولة هو تقديم التسهيلات اللازمة لمن يريد إستثمار أمواله فى البناء للتأجير وليس للتمليك، سواء بنك ناصر سواء هيئة الأوقاف سواء صناديق الزكاة كمؤسسة مصر الخير سواء شركة من شركات ساويرس أو غيره، سواء مؤسسة " معًا " ألتى أسسها فنانا الكبير الذى أحمل له كل تقدير، كما يجب حض البنوك على تقديم قروض تساوى القيمة الحالية لإيجار عشرة سنوات بضمان المبنى، وذلك لمن يبنى للتأجير، وإذا كانت النتائج الظاهرة هى تجفيف منابع العشوائيات وإطفاء نار العشوائيين وفتح الطريق أمام الشباب ليتزوج فإن النتائج الخفية أو الجوائز الكبرى التى ستحصل عليها مصر لن يصدقها عقل، فحالة الرواج ألضخمة ألتى ستترتب على ضخ مبالغ ضخمة كأجور لعمال البناء ألذين سينتجون وحدات سكنية بسرعة إنتاج قطع الصابون أو الأرغفة وبالملايين وليس بالمئات أو الآلاف، ستحرك السوق بصورة تفوق كل تصوراتنا هذه واحدة ، الثانية تَوفر المسكن بالفئات الإيجارية المختلفة سيقضى على حالة الإحباط المتوطنة فى نفوس الشباب، إذ أصبح أمامه هدف قابل للتحقيق، وهو امتلاك قيمة شهر إيجار وشهر تأمين، أما بالنسبة للتمليك فهو يعلم مسبقًا أنه مهما يعمل لن يستطع توفير مقدم شقة، وإن امتلك المقدم عليه الوقوف فى طابور طويل، وانتظار نتيجة القرعة، وهنا يجد البعض فى البانجو وأقراص التريمادول واغتصاب الفتيات والتحرش بهن بعض السلوى، الثالثة إنخفاض حدة الإحتباس الجنسي بسبب عدم توفر السكن سيعيد حالة التوازن الطبيعى للأفراد، ولا أستبعد أن تعود الرومانسية من جديد ونرى ثنائيات الحب على حواف الترع والأنهار، الرابعة سيساهم كل هذا فى تجفيف منابع الإرهاب

 

لم يعد من الممكن بعد ثورتين أن نتردد فى نطقها، سنقولها، وسنواجه بها أنفسنا  " نحن غير مخلصيين لله وللوطن "  نتاجر بهما، نبتز أعلى وأسمى قيمتين فى الوجود، .... الله .... الوطن .

وإلى حماقة أخرى ....... والله المنجى

تعليقات