لا تقطع رسائلك يا ابن العم

منشور بصحيفة القاهرة في 10 / 4 / 2018

                         لا تقطع رسائلك يا ابن العم        

كما أن عالمنا مليئ بالأشرار فهو لا يخلو من الأخيار، أما عن البلهاء فمتعدش، أنا منهم للأسف، طالما ساورنى الشك فى هذه الجزئية من قبل لكن الآن وبعد أن حدث ما حدث، حُسم الأمر..أنا أبله.

                                الحكاية 
طيرت وكالات الأنباء خبرًا مفاده أن مصممى الأزياء سيمتنعون عن استخدام الفراء الطبيعى فى تصميماتهم لفساتين الهوانم من صنف الهاى لايف، واستبداله بالفراء الصناعى...وذلك رحمة بالحيوانات ذات الفراء ...يا لإنسانيتك أيها الانسان...من يعرفنى شخصيًا لن يدهشه تعليقى، وسيتفهم دوافع فرحتى العارمة بخبر كهذا، فأنا واحد من هؤلاء الذين يمكن وصفهم بأنهم رقيقو الحاشية مرهفو الحس، ومن المناضلين من أجل حقوق الحيوان والانسان والشجر والقمر والزهور والطيور وكل حاجة ..وليس هناك من هو غيور على سمعة البشرية، وكبريائها ومركزها وسط الكائنات الأخرى مثلى ..ناشط حضارى تقدر تقول . من فورى طبعت الخبر من صفحة وكالة الأنباء ليكن فى يدى مستند يعتد به، وسافرت من فورى إلى لندن ووصلت إلى مزرعة الحيوانات التى عاصرها وكتب عن ثورتها الكاتب البريطانى جورج أوريل، قلت أفرَّحهم، وأتباهى بعض الوقت أمامهم بانسانية انسانيتنا. لم تكن المزرعة بمعزل عما وقع فى عالمنا من أحداث جسام ..تفكك الاتحاد السوفيتى، توحد الألمانيتين، تفجر البرجين والبنتاجون، غزو العراق وأفغانستان، وصول ترامب للسلطة، دخوله قاعة المرايا ..على إثر هذه الأحداث جرت تغيرات كبيرة داخل المزرعة، سقطت دولة الخنازير وصعدت دولة الحمير، تأثروا نسبيًا بالعولمة، فحلت الدواجن محل الخراف كممثلة لطبقة البلوريتاريا، لكثرة عددها وطول لسانها وحماسها الفائق وقدرتها على التظاهر، ناهيك عن الفشل المدوى للخراف فى تحقيق أى مكاسب، كما تسلل للمزرعة بعض الثعالب من الغابة المجاورة، ونجح القرود فى زيارات متفرقة فى اقناع الحمير بالمامهم الواسع بعلم الادارة، فأصبح كل الوزراء من القرود، ومعظم المستشارين من الثعالب الذين أقسموا أن البلوريتاريا ستكون فى عنيهم الجوز، كما تسلمت الببغاوات أطقم حديثة من الميكرفونات، والغربان سيطروا على الفضائيات، والجِمال أصبحت هى الطبقة الأرستقراطية الجديدة ذات الجدارة.
عندما اقتربت من البوابة الرئيسية أحاط بى طاقم الحراسة، وسين وجيم، مشكلتهم كانت فى خوفهم من أن أكون من ورثة مستر جونز مالك المزرعة الذى ثاروا عليه وطردوه منها وجئت لاثارة المتاعب والمطالبة بحقى فيها، وعندما تحققوا من أننى مصري قدموا لى فى الحال كوب من عصير البرسيم المثلج، وطلبوا بقائى على البوابة ريثما يتم التجهيز لاستقبالى استقبالا رسميًا يليق بمبعوث من عالم الانسان، بل وتمنوا أن تكون هذه الزيارة مقدمة لزيارات أخرى تنتهى باعتراف رسمى بحقهم فى تقرير المصير، وشطب القضية المرفوعة من ورثة مستر جونز، وغلق هذا الملف نهائيًا، وصافى يا لبن حليب يا قشطه، واجهتنى مشكلة لم أحسب حسابها وأنا أعد الخطاب الذى سألقيه..البروتوكول يفرض أن أبدأ خطابى بعبارة سيدى الحمار رئيس الوزراء، والخطاب سينقل على الفضائيات وسترانى وتسمعنى زوجتى ومحمد واحمد ونهى أبنائي وتالين وفريدة حفيدتى وخالتى لواحظ وحفيظة هانم جارتنا بل والعالم كله فبأى وجه أقابلهم بعد ذلك؟ ثم من الذى أعطانى الحق فى تنازل بهذه الجسامة خاصة وأنا لا أمثل الا نفسي، وحكومتى كالعادة لا تعرف شيئًا عنى، قلت ليس أمامى إلا الدخول فى الموضوع بدون هذا الاستهلال وليكن ما يكون...سيدى الحمار؟ وقع العبارة هزنى ...لا لا لا على جثتى. غير أن هاتفًا بداخلى يهتف بى حذارى يا مجنون، هذه فرصة استحالة أن يجود الزمان بمثلها، انتهزها يا أحمق، ستحدث فرقعة اعلامية تفوق الوصف، وستحولك من نكرة إلى نجم يسطع فى سماء الثقافة المصرية الخالدة، وساعتها ما من كلمة تكتبها إلا وستقرأ وتحلل، وما من عبارة تخرج من فمك إلا وتكون مشروعًا لمَثل سائر، يعنى داخل التاريخ داخل التاريخ، ومن البوابة الرئيسية، وتحت مسمى الرجل الذى قال للحمار سيدى الحمار، وأسقط الفروق البيلوجية إلى الأبد، لقد تنازل توفيق الحكيم مرة واحدة وتحدث مع حمار من العامة فماذا كانت النتيجة؟ أصبح توفيق الحكيم، وأنت لن تصبح فتحى عبد الغنى إلا بعملة سوداء من هذا النوع، وقتها سيعيدون قراءة مسرحياتك الفراعنة قادمون واقعد وانت تفهم والمسافرون إلى أعلا وونبى لهشوا يالعصفور وهتحلو على الآخر، وتنتقل كتبك من خانة الأكثر إهداءًا إلى الأكثر مبيعًا، واحسبها انت بقى، ثم تعالى هنا ( بقى محصَّلتِش) الكلبة لايكا ؟ كيف يكون لها مكان مرموق فى التاريخ ولا يكون لك مثله؟ خش عليها، افعلها، فعلتها، ذهل الحضور، قطعوا خطابى بتصفيق مدوى، زغردت الديوك الرومى حتى بحت أصواتها، واصلوا الاحتفاء بى، غنت البلابل " يا حبيبتى يا مصر" وغنى غراب "م السيدة لسيدنا الحسين" وتقدمت إلى المنصة قردة لطيفة حيتنى، ثم أدت استعراض "عجين الفلاحة" فضجت القاعة بالتصفيق، ووجدت نفسي أصيح الله أكبر لقد وصلت قوتنا الناعمة للعالمية هيه هيه هيه، ثم انطلق هتاف "تحيا مصر" مدويًا من كل النواحى، ولمحت الشمبانزى تضحك لى وترسل لى قبلات فى الهواء، كانوا قدموها لى من قبل بصفتها مبعوثة من الغابة القريبة لدراسة الفلسفة ونظام الحكم فى المزرعة.
أعدت العبارة وتابعت خطابى " سيدى الحمار رئيس الوزراء سادتى وآنساتى الحيوانات الأليفة والمفترسة الطاهرة والنجسة إذا كان أول الغيث قطرة فقد أحضرت لكم الغيث نفسه.. وقرأت عليهم نص القرار 
استمر التصفيق والهتاف فترة طويلة،بعدها وقف السيد الحمار رئيس الوزراء ليرد على خطابى، يا سلام على هيبته وشموخه حمار حمار صحيح " لن أقول سيدى الانسان لأنك بالفعل سيدى، فنحن قوم لا نخدع أنفسنا ولا نحب أن يخدعنا غيرنا، فأنت تركبنى وهذه حقيقة تدعو للأسف نعم، لكنها حقيقة لا يمكن انكارها أو الالتفاف حولها، هذا أولا. ثانيًا أنت جئت لتهنئتنا بوقف ذبح الحيوانات ذات الفراء وهذا شيئ جيد وتشكر عليه، ولكن ماذا عن ذبح ملايين الدواجن والبقر؟ سُمعت صرخة من آخر القاعة (والأرانب يا ريس) عفواً والأرانب، ووصل بكم الأمر إلى أن تربوا الحيوانات والاخوة الطيور بغرض الذبح، ولديكم مبان خصصت لارتكاب هذه الجرائم، وتصل بكم الحقارة إلى عرض لحمنا فى الأسواق، إذا لم يكن هذا تطهيرًا عرقيًا فماذا يكون؟ ثم تأتى الآن لتستعرض انسانيتكم وتريدنى أن أصدق مشاعركم نحونا ؟ أصدقك كيف؟ إذا كنتم لا تترفقون بأنفسكم كيف تترفقون بنا ؟ تذبحون أنفسكم فكيف لا تذبحوننا، غسيلكم الوسخ يا سيدى الانسان منشور فى كل مكان من العالم؟ ألا تعرف مالذى تفعلونه بجنس السوريين واليمنيين والليبيين؟ ودماؤكم التى أرقتموها عبر ما سبق من قرون؟ أتظننا لا نتابع أفعالكم الشنيعة؟ إن لدينا مكتبة مليئة بتاريخكم المخزى، ولدينا مقاطع فيديو فاضحة، تخيل يا سيدى الانسان أن أحد هذه المقاطع يصور مجندة أمريكية لا أصل ولا فصل لها تسحب عراقيًا حسيبًا نسيبًا من رقبته بعد اجباره على المشى على أربع ليصبح فى نفس مكانتنا الوضيعة حسب أدبياتكم الحقيرة، واعتباركم الحيوانيىة سبًا وقذفًا، أليست هذه قيمتنا عندكم؟ أيها الحراس خذوا هذا الأبله المنافق وألقوا به خارج حدود دولتنا الفتية
انطلقت هتافات الكراهية والعنصرية لتصم الآذان، وتضاعفت الأعداد بشكل مذهل، وكأن للكراهية جاذبيتها وسحرها وشعبيتها الجارفة، وإذا بفرقة من الجاموس تسعى لدهسي، وطائفة من الحمير تسعى لرفسى، قلت انتهيت، لولا الشمبانزى إياها التى سارعت ببسط حمايتها على، وصاحت فيهم "كله يلزم حدوده" توقف الهتاف هبطت الذيول التى كانت مشرعة فى تحد سافر لتستقر بين الرجلين، وانسحب الجميع منكسي الرؤوس، سارت منتصبة ومختالة بنفسها إلى جوارى لتوصيلى إلى البوابة "حيوانات لا تأخذ على خاطرك منهم ..يسيرون على أربع " قبلتنى، تهدج صوتها وسالت دموعها وهى تودعنى، قائلة لا تقطع رسائلك عنى يا بن العم، والسلام أمانة للسيد دارون، لا إله الا الله..والدموع تطفر من عينى ...محمد رسول الله يا بنت العم

تعليقات