إنها ترقص أحيانًا

 إنها ترقص أحيانًا  

إثنان وستون عضوًا بالكنيست الاسرائيلى  صوتوا لصالح قانون القومية اليهودية لدولة اسرائيل. خمسة وخمسون عضوًا لم يصوتوا لصالح القرار. لا أتصور أن يكتفوا بذلك ولا أتصور ألا ينضم لهم باقى يهود العالم ويسارعوا جميعًا بتقديم أصحاب هذا القانون ومؤيديه  للمحاكمة بتهمة معاداة السامية ؟ هم بالفعل أعداء لليهود ولدولة اسرائيل . هم بالقول والفعل يضعون اليهود ككل ـ واسرائيل من ضمن ـ عكس اتجاه حركة التاريخ، ويعرضون أمن اليهود ككل للخطر، فمهما طال الزمن فالتعصب القومى والدينى ساقط ساقط، فالنت ووسائل التواصل الاجتماعى ومقاطع الفيديو الدوارة والطائرات والقطارات وقنوات البى بي بى سي وفرانسوا كاتر لا تلعب، التعصب ساقط ساقط، والعالم (القرية) سيتحقق، سيتحقق، والحروب الاقليمية عرقية كانت أو مذهبية ستكشف بنفسها عن سخافتها وغبائها وحقارة وانحطاط من يشعلونها...مسألة وقت، حمى وتمر، وتعود درجة الحرارة لمعدلها الطبيعى، ويعود العالم للاستماع لمفكريه وفلاسفته وعلمائه وشعرائه وموسيقيه وكل من يحرص على حياة الانسان وسعادته وكرامته.

ـ من أهداف هذا القانون حشد اليهود جميعهم فى مكان واحد من العالم، مع وضع لافتة قد تكون بالنيون أو بالليزر تقول "هنا جنس اليهود" وهذه فى حد ذاتها مخاطرة كبرى، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، حرمان اليهود من نعمة الانتشار التى كان لها الفضل فى بقائهم حتى تاريخه، ومنحهم قيمة مضافة لم يتمتع بها غيرهم .

عندما اضطهد الأسبان بعضهم كانت بقيتهم تنعم بالأمن والأمان فى ربوع الامبراطورية العثمانية

عندما اضطهدهم هتلر كانوا مليونيرات فى مصر وبريطانيا ولهم كلمة نافذة فى أمريكا وأصحاب مكانة مرموقة فى استراليا.

بالطبع هناك عاملين رئيسيين فتحا الطريق أمام المتشددين بقيادة الليكود ليصولوا ويجولوا ويفعلوا كل ما بدا لهم .أولهما نتائج حرب 67  وآثارها الكارثية على العرب وعلى القضية الفلسطينية. فقد أذهلهم هذا الانتصار السريع رخيص الثمن وصرف نظرهم عن حقائق بالغة الأهمية منها مثلا أنه انتصار زائف ومفبرك وصناعة محلية، بدليل أنه بعد ست سنوات كانت هناك نتائج مغايرة، جعلت جولدا مائير رئيسة الوزراء ترقع بالصوت مستغيثة بهنرى كيسنجر فى اتصال تليفونى شهير أيقظه من النوم فى الثالثة صباحًا، فهل يعقل أن يهزم جيش فى ست ساعات ويحقق مثل هذه النتائج الهائلة بعد ست سنوات فقط  إلا إذا كانت مكوناته على حالها ولم يمسسها ضر وقواده المحترفون الذين لم يسند لهم أى دور فى حرب 67 واقفون استاند باى بلبس الميدان منتظرين اشارة البدأ وعندما صدرت قاموا بتجميع الجيش على أسس جديدة بعيدًا عن الشللية والقبلية ونظام اللى يحب النبى يزق وحتى يكون للقيادة السياسية لا عليها  وكانت معجزة أكتوبر  

ثانيًا الردة الحضارية التى تسود عالم اليوم والتى ساهم فى نشوئها  وارتقائها عالم القطب الواحد، المترتب على سقوط الاتحاد السوفيتى وانتهاء دوره كقوة ردع عسكرية وفكرية للمعسكر الرأسمالى، زرعت بذور الغرور والطيش السياسي فى رأس القطب الواحد فأفرز بعد عدة عقود أداءًا مترديًا على نحو ما نرى الآن.  

البراجماتية السياسية أو الانتهازية السياسية الليكودية وشركائها عاشت كل هذا وقررت أخذ كل ما يمكنها أخذه صارفة النظر عن أن ما هو حادث فى المدى القصير ليس بالضرورة ما سيكون عليه الحال فى المدى الطويل. عالمنا لن يظل فاقدًا لرشده إلى الأبد، والعرب لن يظلوا على نفس الضعف، وطرد اليهود خارج السياق الحضارى مقابل تحقيق بعض الأهداف الآنية ثمن باهظ  لا يمكن  تحمله، وخروجهم على القوانين والأعراف الدولية ومسهماتهم الملموسة فى هدم الهيئات الدولية أو اضعافها سواء كانت الأمم المتحدة أو اليونسكو أو منظمة حقوق الانسان سيؤدى فى نهاية المطاف إلى تمزيق النسيج الدولى أو المظلة الدولية التى استظلت بها منذ الحرب العالمية الثانية، والتى حققت من ورائها الكثير بما فيه وجودها ذاته، ومهما كانت العطايا والنفحات غير المعقولة التى تنهمرعليها سواء كانت أسلحة أو أموال أو تأييد بنظام الكارت بلانش أو حتى بالفيزا كارد لن تستطع تغيير الحقائق وأهمها أنها دولة صغيرة تعدادها حاليا وفى المستقبل لن يزيد عن عشرين إلى ثلاثين مليون، وأنها تقع فى منطقة الشرق الأوسط وعلى البحر الأبيض المتوسط وليس المحيط الباسفيكى، ولها جارة اسمها مصر تعدادها يفوق المائة مليون، شعبها كان دائمًا حاضنا لمعتنقى الدين اليهودى من المصريين، ورئيسها زارهم وشرب معهم الشاى  وصافى يا لبن حليب يا قشطه وأن حقائق التاريخ والجغرافيا والاقتصاد والاجتماع والفيزياء والجبر وحساب المثلثات وحساب النجوم وكله كله يقول أن السلام والتعاون والتسامح هو أحسن الخيارات للجميع وأنه سيحميها حماية حقيقية ودائمة، إذا ما تغيرت حدود المعادلة الحالية، مع الأخذ فى الاعتبار أنه لا شيئ يبقى على حاله  والحمقى فقط هم من يسقطون من حسابهم أننا نعيش على كرة وليس على طبلية وأن هذه الكرة الطموحة أو الطائشة لا تكتفى بالدوران حول نفسها بل تصر على الدوران حول الشمس ويلذ لها أن ترقص فى بعض الأحيان، ورقصتها والقبر

تعليقات