حاضر الثقافة فى مصر 4
وسمعتها بأذنى، فتحى عبد الغنى هذا يكتب عن مشاكل لا وجود لها،
ويبكى على لبن مسكوب لم تقع منه قطرة واحدة على الأرض، ويتفنن فى صنع مآس ليبكى
عليها وحده، وعندما لا يجد من يشاركه البكاء يزداد بكاؤه حرقة، مثلا، يدعى
أن بيع وتشفير سينما الزمن الجميل مصيبة سوداء، لها دوركبير فى وأد النهضة
المصرية.. سامع الكلام؟ افلام الأبيض والاسود تئد النهضة المصرية، تخيل؟ ويقول،
والسبب أنه حجب عن العامة صورة مصر الكوزموبوليتانية، مصر المتسامحة، مصر العالمية،
ويقول لك إن سعاد حسنى فى فيلم الزوجة الثانية تمسكت بحبها لزوجها المعدم فى تحد
سافر لأعلا سلطة فى البلدة ( العمدة ) حتى وهو فى يده وثيقة زواج، ومسحت بكرامته
الأرض، وفرجت عليه أمة لا اله الا الله والأمم الآخرى. وأثبتت قدرة المرأة المصرية
بدون زاد ولا زواد على فعل المستحيل، ويقسم أنها لا تقل عن السيدة ميركل
مستشارة ألمانيا كفاءة لو منحت الفرصة وحكمت مصر. هات لى أحد غيره رآها
كذلك؟ " بدل ما كنت تربى شنبك كنت ربينى أنا يا جدى" يقول لك هذه
عبارة تستحق التداول عالميا راس براس مع "حتى أنت يا بروتس"
ويصيح، طفلة تعطى لجدها درسًا فى الأولويات، جدها من؟ تعطى للمجتمع، مجتمع من؟
تعطى للعالم درسًا فى التربية، هذه عبارة لازم توضع فى برواز وتأخذ مكانها
الذى تستحقه فى أروقة اليونيسيف، وبعدها يدخل لك على " يا ابا
انت مش عاوز تصدق انك أعمى.. انت أعمى يا با" ويُحمِّل العبارة التافهة هذه
بما لا حد له من التفسيرات والتأويلات، ويقول لك المقصود ليس أبيه وإنما المجتمع
المصرى الأعمى، ويصلَّح نفسه ويقول لك هذا تصوير لأمة تتحدى معوقاتها، وتركب
موتسيكل وتطير، يوه يوه يوه ،لأ انسان غير طبيعى، وكله كوم وبكاؤه المرير
على ضياع الربع تون من ذاكرة الشباب كوم آخر، مع انه ربع وليس تون أو تونين، أو
تلات تونات، ويكيل الاتهامات للمطربين ولنقابة الموسيقيين، وللناس الهلهليه من
أتباع طولها زى عرضها، الذين يشرفون ويخططون ويختارون البرامج والمواد
الموسيقية فى الاذاعة والقنوات الفضائية، ويقول لك يستسهلون الايقاعات الغربية
السريعة الزاعقة، حتى فرضت سطوتها على الجملة الموسيقية المصرية، واعتقلت مؤلفها،
ومنعته من السير خلفها " لغاية ما يجيب قرارها وجوابها "
والنتيجة شيئ أبعد ما يكون عن الجملة المصرية المعجبانية النرجسانية التى كنا
عندما نسمعها، كلنا فى نفس واحد نقول الله، وزمان كانوا يرمون
الطرابيش والطواقى فى الأرض من فرط انفعالهم، ومع رحيل الطرابيش والطواقى
وصلنا لزمن عشره على عشره على عشره يا ست. الآن زمن I
lick ..أوالعصر الجليدى أو عصر الجفاف
العاطفى وربما الانسانى .
والأدهى والأمر أن صحيفة القاهرة
بتاريخها العريق وسلوكها القويم تنشر له، ولا يعرف رئيس تحريرها أن مصيرهما معًا
سيكون المحاكمة بتهمة الخيانة العظمى للقوالب والقفف والمقاطف والجرادل والتابوهات
المقدسة المنحدرة من أصول وبذور لا وجود لمثلها فى العالم، حسب ما يدعى اخواننا
اياهم، هذا ما يقوله.
ورد آخر ومازال صوته الحاد المسرسع
يرن كالسكين التلمة فى أذنى، قائلا . انت بتكلم فى إيه؟ دا انا سمعته فى محاضرة له
فى أتليه القاهرة يطالب ببناء حائط مبكى، يبكى أمامه المصريون على
ثقافتهم الضائعة، وزمنهم الجميل الذى ولَّى، ويصيح متسائلا ـ وبجد والله ما هو
تمثيل ـ لكن المشكلة أين نبنى هذا الحائط؟ هل فى جراج الأوبرا حيث ترقد رفات دار
الأوبرا الخديوية.. التاريخ والمبنى والرقى؟ ويواصل بلا أى قدر من الخجل، لا
تقولوا لى أنه كان يستحيل إعادتها إلى ما كانت عليه، فصورها كانت ولازالت موجودة،
ولو كتبت على جوجل الآن دار الأوبرا الخديوية ستراها أمامك، وإن كنت ممن يأسرهم
الجمال، سيستغرقك التناغم المدهش القائم بينها وبين تمثال ابراهيم باشا والميدان
المزروعة في وسطه وكأنها زهرة عباد الشمس، وأيضا كان يمكن البحث عن أصولها فى تراث
بيترو أفوسكانى وروتسي الايطاليين الذين صمماها، فليست ايطاليا من تفرط فى مثل هذه
الدرر. والحرفيون موجودون والمهندسون موجودون، وكان باستطاعتنا عمل نسخة طبق
الأصل، ونكتب عليها جددت فى تاريخ كذا، بعد حريق شب بها، كما نفعل مع الآثار
الاسلامية والفرعونية، وكان زمانك وانت معدى من أمامها ومعك الأمورة بنتك أو ابنك
تتغندر ثقافيًا ـ وبالمناسبة هذا حق لا ينازعك فيه أى إنسان فى العالم فأنت لا
تتكلم عن حفنة طوابع بريد أو عملات قديمة وطالع بها السما كما يفعل غيرنا لا أنت
ملياردير ثقافى اصح للون ـ فتقول ودى يا حسن أو يا نعيمة دار
الأوبرا، وهى أول دار أوبرا فى قارتى آسيا وأفريقيا، أقامها الخديوى اسماعيل
بمناسبة افتتاح قناة السويس، أيوه بالظبط يا نعيمة، أغنية نعم يا حبيبى نعم صورت
فيها، وبنادى عليك وغيرها وغيرها، وتسمعها وهى تجيب، دا شكلها من الداخل حلو
قوى يا بابا، الويل لك يا مصر من بتوع طولها زى عرضها عندما يكونون فى مواقع صنع
القرار .. واندثرت قطعة ألماظ من مجوهرات التاريخ المصرى ذائع الصيت، ويواصل
الصراخ وكأنه لايوجد فى مصر من تهمه الثقافة غيره، مع ان معزتها عندنا لا تقل عن
باك بتاعك باك بتاعى باك بتاعنا كلنا، ويتساءل أم نقيمه فى بنى سويف حيث رفات شباب
المسرحيين الذين احترقوا ولم يتقدم وزير الثقافة آنذاك ياستقالته، ولو من قبيل
التعاطف مع أهالي الضحايا الذين فقدوا حياتهم نتيجة للاهمال والتسيب والاستهتار
بالثقافة والمثقفين.
أم على أبواب متحف أحمد محمود حيث سرقت لوحة من عيون الفن التشكيلى
العالمى وهى زهرة الخشخاش للفنان العالمى فان جوخ، الغريب أن البحث عنها توقف رغم
أنها بالقطع معروضة الآن فى واحد من قصور وجهاء العالم، واحد من هؤلاء الذين
يعتقدون أنه بأموالهم يمكن الجمع بين الفن الرفيع واللاخلق، لا تقولوا لى أن اللص
والفاسد الذى ساعده لا يعرفان أين مستقرها الآن.
أم نجعله أمام سكن محمد فرج فوده الذى كان غارقًا فى الدفاع عن
ثقافة المصريين فأغرقوه فى دمائه أمام بيته وتحت سمع وبصر أسرته جزاءا وفاقا على
آثامه الفكرية ......أى جنون ..أى ظلم..أى تخلف ..أى قسوة
أم فى نفس المكان الذى اخترقت فيه سكين الجهل والتخلف رقبة نجيب
محفوظ؟
أم فى المكان الذى ذبح فيه الشيخ الذهبى
الغريب أنه لا وزارة الثقافة ولا الأزهر اعتادا على احياء ذكرى
سنوية لاغتيال هذين الفدائيين العظيمين، حتى تظل جرائم الارهبيين حاضرة فى ذاكرة
الناس، ويظل غضبهم من التشدد الدينى متوقدا وحيا.
أم فى المحاكم حيث حوكم الدكتور نصر أبو زيد وحكم عليه بالتفريق
بينه وبين زوجته فهرب بها إلى الخارج، ولم يعد لبلده إلا محمولا على نقالة، أو
شاعرنا الكبير أحمد عبد المعطى حجازى وحكم عليه بخمسين ألف جنيه، ومثلها على
الدكتور جابر عصفور ( غرامة رأى بتسعيرة المحروسة )
أم فى الإذاعة المصرية، وفى
البرنامج الثقافى، وريث البرنامج الثانى الذى كان صوته يلعلع فى محيطنا العربى،
معليًا شأن القوة الناعمة المصرية الرائدة، ويقول لك مستعطفًا لأجل خاطرى روح الآن
على موجة ال fm رقم 91.5 وحاول سماعها، ستسمع كل
الاذاعات قوية وواضحة الا هى، لما ؟ لأن إشارتها هى الأضعف، بينما باقى الاذاعات
مثل الشباب والرياضة القاهرة الكبرى، القرآن الكريم، كله مسموع، وستلاحظ
أيضًا أن أعلا ارسال من بين كل هؤلاء هو إرسال المحطات التجارية التى اشترت هذا
الحق حديثا من الحكومة المصرية، وإذا كنت من المهتمين بربط الأمور ببعضها،
واستخلاص نتائج لا تهم أحد غيرك مثلى، ستجد أن هذه المحطات التجارية لا تذيع غير
صنف الأغانى الأجنبية بايقاعتها الزاعقة، ويا سبحان الله تجدها تطغى على باقى
الاذاعات بما فيها البرنامج العام، بالله عليكم هل يمكن أن يكون هذا غير
مظهر من مظاهر الاستهانة والإذلال للثقافة فى مصر، لكن أبناء جالية طولها زى عرضها
لا ترى فرقا بين أن نكون أو لا نكون فيما يخص الثقافة..وغيرها بالمناسبة.
وتسمعه يصيح بأعلى صوته وكأنه نيلسون مانديلا أو شى جيفارا
أيها المصريون لا شيئ يمكن أن ينقذ ثقافتكم إلا الغضب، إلا الثأر الثقافى، ورفع
المشاعل وزواج عتريس من فؤاده باطل، يقول الثأر الثقافى، من سمع
تعبيرا كهذا فى بلد كمصر ـ محروسة من العين ـ كل قواها الفاعلة
متحالفة ومتحابة صافى يا لبن حليب يا قشطه، وكله من أجل النهوض بها. مع الأخذ فى
الاعتبار أن النهوض من عدمه مسألة نصيب.
لن يعرف اليأس أبدًا طريقه إلى
نفسى، ولن أتوقف أبدًا عن اعلان أن وزارة الثقافة فى عهد الرئيس مبارك كانت
تصرف بسخاء على الحجر دون البشر، ولما كنت راديكالى الطبع والسحنة صحت هذا
تمييز، لابد من مساواة البشر بالحجر، قالوا الحجر مؤدب وفى حاله وخيره كثير، ويعلن
بنفسه عن الانجازات الخارقة، أما البشر فكلامهم كثير، ثم ماذا تأخذ الريح من
البلاط ؟ .. معقول برضو
وزارة الثقافة المصرية وزارة خرساء
لا أبواق لها و(هتمة ) لا أسنان لها وإذا كان الشيئ بالشيئ يذكر لا أنياب لها ولا
أظافر لها ملساء، هيفاء.." كالبان يلتف النسيم به وينثنى فيه تحت الوشى
عطفاها " وهذه ليست إدانة لمعالى الوزيرة التى أقدرها. ولا للعاملين بالوزارة
الذين نقدر أنشطتهم وحماسهم، لكن الحكاية أصلها أكبربكثير ..هذه الوزارة دون غيرها
من الوزارات ترزح تحت وطأة أحكام شاملة النفاذ، صدرت من جهات متعددة، بعضها داخلى
وبعضها خارجى وبعضها سياسي وبعضها دينى، بعضها يمينى بعضها يسارى، بعضها
تقدمى بعضها تخلفى بعضها حسن النية بعضها سيئ النية ( هم ما يتلم ) وجرى ذلك على
مدى عقود كثيرة من أيام ..يوه يوه لا داعى ألله حليم ستار .. أحكام تفاوتت فى
أقدمياتها وفى شدتها، وكان ممكن أن أسكت ولا أفتح فمى أنا وصحيفتنا الغراء هذه،
لولا أنه جد جديد.. ( تحيا مصر ) .. نداء صحانى فوقنى " تحيا مصر " لكن
تحيا مصر على ما هى عليه أم على ما ينبغى أن تكون عليه؟ ..سألت نفسي ..وعندما
يتحول شعار تحيا مصر إلى حساب بالبنك يدفع فيه المصريون بتبرعاتهم، ثم تخرج هذه
الأموال كالسيل العرم لتبنى مصر، هل يبقى شعارا أم نهجًا وعملا وإنجازا ؟ ..سألت
نفسي..جاءتنى الاجابة من نفسي حاسمة، بالقطع ليس شعارا، هو دعوة، منطوقها ابنوا
مصر، ولأنها جاءت من رئيسنا المنتخب فهى أمر ..وليس أى مصر وإنما مصر جديدة
قادرة على الحياة وعلى المنافسة وعلى المزاحمة فى عالم مسباره فوق فوق فوق يتجه
الآن نحو الشمس، ويفكر المجنون فى تجاوز مجرتنا إلى مجرات الجيران ..لكن هل يمكننا
فعل ذلك دون رفع للأنقاض؟ ..هى كثيرة وثقيلة يا معالى الوزيرة، وتحتاج جهدا وعرقا
وسعة أفق وإنكار ذات، كذلك الذى تسلح به المثقفون أيام حصار الوزير المتخلف،
أتذكرين؟ أيام أن كنت أنت بطلة الحكاية، أو كبسولة التفجير، أتذكرين؟ أيام المعركة
الفاصلة التى كسبها المثقفون بالضربة القاضية فى الثلاثين من يونيو 2013 أتذكرين؟
على أى حال أنا والقاهرة ورئيس مجلس اداراتها ورئيس تحريرها وكتابها وطاقم العمل
بها وقراؤها لم ننس، وها نحن ننحت فى الصخر لصنع نموذج للتسامح مع الفكر
والمفكرين، بلا فيتو من أحد على أحد، سواء سبحوا مع أو ضد التيار، فالأمر جلل
والخطر داهم، المهم هو سلامة الحبيبة مصر، ورفعة شأنها هذا هو مضمون أمر الرئيس
( تحيا مصر ) أو وجهه الآخر ناصع البياض " ابنوا مصر "
ورغم الألم الذى يعتصرنى لهجمتى الشرسة على وزارتنا الحبيبة،
خاصة ونحن نرى جميعًا عدد الداخلين والخارجين منها وإليها، وكمية الاجتماعات و
المكاتبات والآمال والنوايا الحسنة المنتشرة فى أروقتها وهيئاتها المتعددة، وعدد
الخبراء والعلماء والمثقفين والمثقفات والفنانين والفنانات، ونرى الجميع يبذلون
جهودا مضنية ومخلصة من أجل النهوض بالثقافة، لكن وا حر قلباه، الحقائق عنيدة
وعندها صبر ولا صبر أيوب، تتركك سنة وسنتين وألف لكن لا مفر من أن تنصاع لها،
وتعدل خططك وتوجهاتك، ومن ضمن هذه الحقائق العنيدة، وجود خلل هيكلى فى
التوازن بين ما تملكه الوزارة وبالأحرى ما نملكه نحن كمثقفين من أدوات
وإمكانيات وما تملكه قوى التخلف، بتعددها وتنوعها ومموليها فى الداخل والخارج، هل
تعرف أن هناك مبلغا محددا يستقطعه كل عضو فى جماعة الاخوان الارهابية من قوته وقوت
عياله شهريًا ليساهم به فى خراب مصر؟ وأن هناك مبلغًا يستقطع سنويًا
من ميزانية أشقائنا القطريين لدمار مصر، نفس مصر التى كانت جامعاتها وفنونها هى
شمس الله التى سطعت على أرض العرب، الحرب تبدأ بالكلمة الخارجة من أبواقهم
المتعددة والزاعقة وانتهاءا بأحزمتهم الناسفة وأسلحتهم التى يحيطون بها مصر من كل
جانب.. والآن يعرفون وأكثر من أى وقت مضى أن هزيمتهم فى 30 يونيو 2013 كانت
على يد الثقافة المصرية وظهيرها الجيش المصرى..عدواهما الآن مفرزان محددان
مرصودان، المثقف المصرى، والجندى المصرى، وبشكل أِشمل وزارة الثقافة
والجيش.
جماعة الاخوان المسلمين هى القائد العام لفرق نشر التشدد الدينى
والخطاب الدينى المغلوط، ووزارة الثقافة هى القائد العام لفرق التسامح والتصحيح
ووضع العقول على الطريق الصحيح، جماعة الاخوان ومن معها ومن يؤيدونها ويمولونها هى
ناشرة الظلام، وزارة الثقافة هى ناشرة النور، جماعة الإخوان حقنت دعوتها الدينية
بالسياسة، وحقنت السياسة بدعوتها الدينية، وجعلت كل منهما تخدِّم على الأخرى..تلوى
عنق السياسة لتكن دينا، وتلوى عنق الدين ليكن سياسة، أول طابور نجح حسن البنا فى
تشكيله من الشباب المتدين لم يرسله إلى مكه للحج وإنما عرضه على الملك فاروق كقوة
يمكن أن تكون تحت الطلب، وهذه أيضًا من الحقائق العنيدة التى ستظل تطارد هذه
الجماعة حتى القبر إن شاء الله، ومنها أيضًا صنَّع الشيف نفسه الإمام حسن البنا من
الدين والسياسة ( الله وقيصر ) فطيرة مسمومة قدمتها الجماعة لوطنها مصرلتغرقه فى
الفقر والجهل والمرض والتخلف وعند خراب مالطة تقدم نفسها كطوق للنجاة من
خلال حكمها الفاشل .. تنظيم اجرامى أو تشكيل عصابى له أهداف محددة واحد
اتنين تلاته، يعرفها كل أعضاء التنظيم، وينذرون أنفسهم لتحقيقها سواء كانوا فوق
الأرض أو تحت الأرض، سواء ظاهرين أو لابسين طاقية الاخفاء، مارست العمل مع الحاكم
ان كان دكتاتورا أو ليبراليا، ونجحت فى استغلال كل منهما، وحصدت المكاسب العديدة
من ورائهما حتى أوصلتها فى النهاية لحكم مصر، وهذا لم يأت من فراغ لننظر لما تملكه
من أدوات من أبواق من أموال ومن تركيز أيضًا، فهى ليست عدة إدارات أو هيئات
متباينة الأهداف ومتنوعة الأنشطة كوزارة الثقافة، لا هى قمة وقاعدة، قمة ممثلة فى
مكتب الارشاد، وقاعدة مكونة من أعضائها وتعويزة اسمها السمع والطاعة، ونسأل من
الذى حول أئمة الفتاوى غير الصحيحة والأحاديث النبوية المدسوسة والخطاب الدينى
المتشدد إلى نجوم وجعلهم يتواجدون كالأمراض المتوطنة فى كل بيت وكل حارة وكل زقاق،
سواء فى المدن أو القرى أو العزب؟ أليست الأدوات؟ القنوات الفضائية والمساجد
والاذاعة؟ أليس التمويل المفرط؟
على الجانب الآخر هل يعقل؟ .. أسأل ..هل يعقل أن وزيرالثقافة لا
مكان ولا مكتب له فى ماسبيرو، ولا يدخله إلا بتصريح أو بطاقة دعوة من وزير الاعلام
أو رئيس ماسبيرو؟ مع أن ماسبيرو هو مجمع الأبواق مسموعة ومرئية ودرامية، هل
يعقل أنه ليس للثقافة المصرية حق أصيل فى ماسبيروا أرض ومبانى وتخطيط برامج
ومتابعة..أسأل.. هل يعقل أن تكون الثقافة المصرية مؤسِّسَة فى مبنى شارع الشريفين
زمان، وفى العراء فى شارع ماسبيرو الآن؟ ألم تكن هى التى تختار الاعلاميين
وتربيهم على يديها، وتحملهم الأمانة لتوصيلها إلى مستحقيها، هل سمعنا يومًا أنها
طلبت من أحدهم أن يعلن عن طائرات لا وجود لها تتساقط؟ متى انقلبت الآية؟
وكيف انقلبت؟ ولماذا انقلبت؟ ومن المسئول أو المسأولون؟ متى أصبح الأصل فرعًا
والفرع أصلا؟ متى أصبح الأب إبنا والإبن أبا؟ ونقول لا لبن مسكوب بينما الوعاء لم
يعد به قطرة واحدة ؟
بها أو بلاها تعيش الشعوب ومع ذلك الفرق شاسع بين حال الناس فى
الوضعين ( بها وبلاها ) وتحضرنى عبارة بدأ بها ليو تولستوي الجزء الثانى من روايته
آنا كارنينا " الأسر السعيدة تشبه بعضها البعض أما الأسر الشقية فلا
تشبه الا نفسها" دعونا نجرى تعديلا طفيفا أعلم أنه لن يغضب توليستوى الذى كان
قلبه عامرًا بحب الانسان والعطف عليه "الشعوب السعيدة تشبه بعضها البعض أما
الشعوب الشقية فلا تشبه إلا نفسها " السعيدة مثل انجلترا فرنسا أمريكا السويد
النرويج ألخ كله ساكن صح ياكل صح يتعلم صح يرقص صح يشرب صح يعالج صح يفكر صح يتسلح
صح يموت صح .. الشقية كل منها له مشكلة شكل، وكل مشكلة لها طعم شكل وألم شكل،
الكوليراغير الإيبولا، غير الغرق فى البحر، غير الذراع الطائرة فى الهواء،
غير الجوع الكافر، غير البرد القارس، غير الحياة البائسة فى مخيمات لله يا محسنين،
غير ألم الرجل وهو يرى إبنه يقتل أمام عينيه، أو إبنته وزوجته يغتصبا أمام عينيه،
أو بيته يهدم أمام عينيه، غير العبودية والذل .. ولو فحصت أى حالة من هذه الحالات
ستجد أن للثقافة الناقصة أو المعدومة دورًا فاعلا فيها.
محنتى فى هذه اللحظة كيف أقنع القارئ بمشكلة هو لا يراها مشكلة؟ أو
يتتبع معى كلمة بمواصفة الحرباء، اسمها الثقافة، كيف اقنع أهل الذكر أنى أتحدث عن
مشكلة تملك حيثيات الطرح، أو العرض، أو الدعوة للنقاش، بل وفى أمس الحاجة لأبحاث
وباحثين ولرسائل ماجيستير ودكتوراه ويكون السؤال مالذى حدث لثقافتنا التى كانت ملئ
السمع والبصر؟ من الذى فعل بها هذا؟ من الذى كسح أمتنا الفتية المتوهجة، بطلة ثلاثينيات
وأربعينيات وخمسينيات وستينيات القرن الماضى؟ وما هى حقيقة المرض؟..
شلل أطفال؟ كسر؟ شرخ؟ كدمة؟ أربطة؟
العقبة الكأداء أو المعضلة أن الجماعة البشرية تعجز بذاتها عن
إدراك حاجتها للثقافة أو الاحساس بأعراض نقصها أو توقع نتائج نقصها، حتى لو وصلها
خطاب بعلم الوصول يبلغها بهذا العيب وخطورته فلن تحرك ساكنا، سيتنقل الخطاب بين
هذا وذاك، وفى النهاية ستدوسه أقدام تحالف البلهاء والجهلاء وأصحاب المصالح، لا حل
ولا أمل إلا باختراق للجماعة المغلقة على نفسها المنعزلة التى تجتر أفكارا
وسلوكيات توارثتها من مئات وربما آلاف السنين..لا حل إلا فى نسف الأسوار
والزنازين، فوضى كتلك التى أشارت إليها االبروفيسير كونداليزا رايس..
غزوأجنبى..حملة فرنسية على مصر، طهطاوى يسافر للخارج ليعود ويقول، شباب من نوع
أحمد لطفى السيد ومحمد حسين هيكل مصطفى كامل وغيرهم يسافرون ويرجعون ليقولوا
وينقلوا عن الغرب الفالح، ويرد عليهم القاعدون فى الشرق النائم فى العسل
نوم، ويقاوموهم متمسكين ب (بلاها) مع تطور جديد أنهم أعطوها صفة (بها ) على
اعتبار أن تخلفهم هو أيضًا ثقافة لها حيثيتها، ويفعلون ذلك ربما لأن فيها أكل
عيشهم، يريستيجهم، سطوتهم، مراكزهم، كسلهم، هناءهم، سعادتهم، ويأخذون على
زبيدة أن تأكل الكروزوه وتخلع البرقع واليشمك وتراقص زوجها الحاج مينو،وعندما
يسمعون مرسي وبيكو وبونجور يلعنونها.. يوافقون بالعافية على دفن موتاهم خارج
بيوتهم، وبالعافية يضيئون الشوارع.
فى حالة من حالات (بلاها) يسألون الامام أحمد حاكم اليمن السابق عن
عدد اليمنيين فيجيب بقوله من خمسة مليون لخمسين مليون، صنعاء أحسن وأجمل عواصم
العالم عبارة يحفظها كل أجنبى قبل مقابلته للامام ليرد بها على سؤال اعتاد الإمام
طرحه على زواره الأجانب ..كيف ترى صنعاء؟ ( من كتاب اليمن ذلك المجهول لأنيس
منصور ) وعندما يذهب الجندى المصرى لنقلهم من خانة (بلاها) إلى خانة (بها) يقتلوه،
ويستنذفون خزينة بلده فى شكل أكياس ذهب، تلقى فى حجر بعض من رؤساء
القبائل..نسميها فى مصر قومية عربية ويسميها رؤساء القبائل بلاهة مصرية.
ولنعرف مدى الصعوبة ومدى الاستماتة
فى التمسك ب ( بلاها ) التى أعطوها صفة ( بها ) يوجد من بيننا الآن من ينادى
بالخلافة الاسلامية آملا أن تبقى مصر فى وضع (بلاها) إلى الأبد . لكن دا
بعده، إنها مصر، وأقولها له ولغيره وللعالم الفراعنة قادمون قادمون قادمون،
ومسرحيتى التى بهذا الاسم ستقرأ وتمثل، ولن أعود لمسقط رأسي كما خططت، لأنتظر
نهايتى لا، سأبقى فى القاهرة ولن أستسلم.
تعليقات
إرسال تعليق