الهجوم بالسلام ـ2ـ

 

                                                                الهجوم بالسلام    ـ2ـ

وكأن الدماء التى تراق فى بلد آخر هى دماؤهم، هم ، فقط ولا تمت لنا بصلة، وكأن الصراعات العرقية والطائفية التى تتفجر فى بلاد أخرى تخصهم هم فقط ولا تخصنا، أو لا تخصنى أنا شخصيًا. تلك كانت قضيتى، من أسندها لى؟ لا أعرف، من وكلنى فى الدفاع عنها؟ لا أعرف . حرب فيتنام كانت على أشدها، وأخبار التفرقة العنصرية فى الولايات المتحدة تتصدر صفحات الجرائد، والسؤال الذى يلح على هو، لماذا تفعل البشرية هذا بنفسها؟ إعلان عن مسابقة فى التأليف المسرحى تعلن عنها الجامعة الأمريكية فى الصحف وبرعاية دكتور يدعى وودمان.  كتبت مسرحيتى " آنستى العزيزة منى " من فصل واحد، فى جلسة واحدة، فى 15 صفحة كطلبهم، أرسلتها، أجيزت، نشرت ضمن اثنتى عشرة مسرحبة لى ولغيرى، الاجازة جاءت من لجنة تحكيم رفيعة الشأن، الدكتورة سهير القلماوى، الاستاذ يحي حقى، المخرج أحمد زكى، الدكتور حمدى السكوت. الكتاب يحمل اسم "مسرحيات مصرية ذات فصل واحد" من يومها وقعت فى هوى الآمريكيين،أثر هذا الحب بشكل مأساوى على تقييمى لسياساتهم تجاه بلدى، أصدرت حكمًا خاطئًا بنسبة مائة فى المائة مفاده  "أننا من ضيعنا أمريكا وليست هى من ضيعتنا"

ما أمتع أن تكون صعلوكًا، أن تحتمى فى ضآلة شأنك، تحب من تشاء، تكره من تشاء، تؤيد من تشاء، تقول ما تشاء، هب أنك ماشي بجوار المقطم وصحت بحبك يا مقطم، أو يا مقطم يا ابن الكلب، من سيحفل بك؟ حتى المقطم الذى أهنته لن ينطق، ليس لعدم قدرته على النطق أو الفعل فقد رأيناه يرجمنا بحجارته بسبب ما انقض على سفحه من عشوائيات، ولكن لأنك أصغر من أن يرد عليك.

ـ انضممت للقلة المنحرفة التى تدعى (بالباطل) أن دوايت أيزنهاور هو من أجبر اسرائيل على الانسحاب من سيناء فى 56 وليست الانزارات السوفيتية.

ـ أعطيت للخطابات الودية المتبادلة بين جون كيندى وجمال عبد الناصر أهمية أكبر مما تستحق. افترضت أنه لولا اغتياله لتعامل بنزاهة  مع  القضية الفلسطينية.

الغريب أننى  أفكر على هذا النحو وأنا على وعى تام بأنى واقع تحت تأثير امتنانى لفضل ودمان على، احسبها معى،  ربما أكون مخطئًا. شاب معدم بلا أية حيثية وواقف  يدافع عن الفيتناميين ضد الأمريكيين ...ودمان أمريكى... وعن السود الأمريكيين ضد الأمريكيين البيض...ودمان أبيض، وعن الانسان ضد الانسان ...ودمان انسان، ويأخذ كلمته وينشرها باللغة العربية واللغة الانجليزية من غير واسطة ووقوف فى طابور ولا سين وجيم ولا نظرة سخرية واحدة عامل لى فيها شكسبير يا خى، مالك انت ومال فيتنام والعنصرية، معلهش، احنا بنتكلم رحم الله امرءا عرف قدر نفسه، سعيد صالح عندما جاء القاهرة جاء وفى يده حيثياته "شراب أستك منه فيه" فما هى حيثياتى التى تعطينى الحق فى مقابلة بروفيسير عظيم وكاتب مسرحى لا يشق له غبار مثل الدكتور رشاد رشدى؟ رئيس هيئة الكناب أيامها، ومؤلف مسرحية حبيبتى شامينا التى شاهدتها وخرجت منها يا رب كما خلقتنى، لازلت أعصر ذهنى، وأستنطق زوجتى  ـ شاهدتها معى ـ علها تذكر وتذكرنى حتى ولو بفكرة المسرحية،  أبدًا ـ لسنا مقياسًا ولا نملك معايير الجودة ـ كل ما أذكره هو  صياح العظيمة سميحة أيوب التى لم تتوقف عنه طوال المسرحية بدون سبب واضح لى أنا على الأقل، شاهدت مسرحية "الخال فانيا" لتشيكوف فى تاريخ مقارب وبلا صياح باستثناء طلقة مسدس فى الفاضى هزت الصالة من أولها لآخرها ولازالت تهز الانسانية كلها بدلالاتها، ومع ذلك أذكرها وأشعر بالرقة الطاغية لسميحة أيوب، وأرى البنت وخالها "سهير البابلى وعبد الله غيث" وهما يعبران بعبقرية عن خيبة أمل وانسحاق يفوق الوصف، تحت أقدام محمد الطوخى الأستاذ الكبير الذى حوله المخرج الروسي لغول بدون ضجة ولا صياح ولا لف ودوران وجرى واخرج من هنا وادخل من هناك وتعالى يا جدع وروح يا أخينا وطبل وزمر ( ميزانسيه أمال ايه؟ لعب اياك )

ـ من يلومنى والحال كذلك إذا وقفت وسط الجموع فى شارع الخليفة المأمون أصفق  لريتشارد نيكسون وألوح له ويلوح لى مبتسمًا وهو فى سيارة مكشوفة بجوار رئيسنا الجبار الداهية محمد أنور السادات؟ من يلومنى وسيال من الكيمياء الحميدة يكتسحنا ويربط ما بيننا، ويحكم وثاقنا، ويؤكد لى أنه سيتصرف بنزاهة فى قضيتنا التى تقض مضاجعنا وتخنق أحلامنا، لكن على الجانب الآخر، من الأبله الذي يتصور أن اسرائيل يمكن أن تسمح بتواجد كمياء حميدة بين رئيس أمريكى وشارع عربى؟ (اتفرقع ) ولا زم يتفرقع..كان  فى فترة حكمه الثانية والأخيرة وقادر على كل شيئ، أجبر على الاستقالة مجللا بعار مبالغ فيه فيما أسموه فضيحة  ووتر جيت، لم أفقد ثقتى أبدًا فى شعورى بانسانية هذا الرجل العظيم

ـ أنهى حرب فيتنام...العار الأمريكى

ـ اعترف بالصين ...الخبلان الأمريكى

، والدور كان على القضية الفلسطينية... الظلم الأمريكى

  صدق حدثى، كتب  كيسنجر فى مذكراته بعد سنوات أن نيكسون صرح له بقوله "على اسرائيل العودة لحدود 5 يونيو 67 ، رد عليه كيسنجرـ كما قال فى مذكراته ـ لو حققنا لهم ذلك دفعة واحدة سينسبون هذا الفضل للسوفييت كما فعلوا من قبل عندما فرضنا على اسرائيل الانسحاب الفورى من سيناء، يجب اتباع سياسة الخطوة خطوة حتى يعرفوا قيمتنا" هل نَقَل كيسنجر( يهودى ) نص هذا الحوار لجولدا مائير رئيسة وزراء اسرائيل؟ وكان ما كان من أمر خلعه؟ ...مصادفة؟ ok

ـ جيمى كارتر دمعت عيناه عندما أبلغوه أن السادات أمر بنقل حقائبه إلى المطار كى يغادركامب ديفيد منهيًا المفاوضات، ردًا على تعنت بيجن، اجتمع مع السادات عشرة دقائق بمفردهما ـ لا أحد يعلم ما دار بينهما ـ فوجئ الوفد المصرى بتراجع السادات عن تشدده وأصبح أكثر مرونة، هل أعطاه كارتر وعدًا بضغط أكبر على اسرائيل عند فوزه بفترة رئاسة ثانية ؟ هل خمنت اسرائيل ذلك؟ بفرض عدم وجود تنصت وتسريب ؟ كارتر سقط فى انتخابات الفترة الثانية..مصادفة ؟ OK  .

 جورج بوش الأب فى عهده اسقطت الديون المتلتله التى كانت على مصر وتعامل مع اسرائيل وفقًا لحجمها فى الاقليم وهذا ذنب لا تغفره اسرائيل أبدًا لأى رئيس أمريكى منذ أيزنهاور وكنيدى ومستعدة لفعل أى شيئ لمنعه. فى عهده عقد مؤتمر مدريد للسلام بين العرب واسرائيل وبدأت مفاوضات أوسلو ( سقط فى انتخابات الفترة الثانية ) مصادفة ؟ OK

ـ بيل كلينتون فهم القضية وحاول حلها كان شخصًا استثنائيًا بالغ القوة والجمال كبطل من أبطال الأولمب، مثل فى نظرى شموخ أمريكا وطزوجتها بما ينبئ عن قدرته على ذلك،  تساقطت دموعه فى زيارته لغزة عندما قال له أحد الأطفال أريد أبى، (أبوه مسجون فى اسرائيل) .  كما قيل والعهدة على الراوى الذى لا أعرفه أنه قال لنيتانياهو أتظن نفسك رئيسًا لدولة عظمى ...حولته مونيكا إلى بطة عرجاء دميمة مقززة...مصادفة؟  OK

جورج بوش الابن غرر به شارون ولم ينفذ الوعود التى قطعها على نفسه وجاءت الغيبوبة، تولى أولمرت الحكم  ألخ ويحسب لجورج بوش الابن قيامه بضغوط غير عادية على مبارك لعمل اصلاحات ديمقراطية لحد التهديد بخصم 200 مليون دولار من المعونة الأمريكية، استمر فى عناده ..خُصمت..راجع كتاب أحمد أبو الغيط وزير خارجيتنا السابق  واسأل كنوع من الرياضة الذهنية لو أن مبارك سمع لجورج بوش وكونداليزا رايس ( الكريهة ) حسب توصيفنا وتم تداول السلطة بالآلية الديمقراطية  أكان هناك ضرورة لثورة 25 يناير ؟ صدقونى للصعاليك فائدة من نوع ما. زوجتى قالت لماذا تصر على أن تحليلاتك خاطئة بنسبة مائة فى المائة أنا أراها غير ذلك ...شهادتها مجروحة للأسف.

كيف ينمو عقل الانسان هذا النمو  المفجع ويظل احساسه على ما هو عليه من بلادة؟ كيف ينتصر على الزمان والمكان والمادة ويقف عاجزًا عن الانتصار على الحروب التى تلوث سيرته الذاتية ؟ رغم أنها من صنعه هو، وليست كالبراكين والزلازل والعواصف مفروضة عليه. ذهب عيسي  بطل " آنستى العزيزة منى " لمقابلة والد معبودته ـ دكتور علاج طبيعى ـ دفع الفيزيتا، ظنه مريضًا جاء طلبًا للعلاج، فوجئ به يطرح عليه سؤالا لا يعنيه لا من قريب ولا من بعيد، لماذا ينمو عقل البشرية ولا تنمو أحاسيسها بنفس القدر؟ ظنه مجنونًا، أجابه ساخرًا إن كان جاءه ليدلك له  البشرية فهو غلطان لأنهم فى كلية الطب لا يعتبرون ذلك مرضًا،  لكن فى سياق الحديث يعرف أنه يسكن قريبًا من منزله، وواقع لشوشته فى حب منى إبنته، التى لا تعرف غير شكله، لكنه واثق من أنها ما أن تتعرف على ثقافته واهتماماته ستحبه،  زيارته لوالدها هدفها تحقيق أمنية حياته... أن تسمعه، فقط تسمعه، تأثر الطبيب برقة الشاب وأدبه الجم وشهاداته العلمية الرفيعة واهتمامه بما أسماه المشاكل الأساسية التى تواكب حركة العالم، ولأسباب تخص حالة الأب النفسية ـ فقد زوجته حديثًا ـ  يتعاطف معه ويوافق على مساعدته. تحضر منى وخطيبها لاصطحابه بعد العيادة، يقف عيسى  على منضدة الكشف بحماس شديد من الدكتور ويبدأ فى القاء خطابه بصوت جهورى " آنستى العزيزة منى ثمة مشاكل أساسية تواكب حركة العالم ولكن قبل أن استطرد أحب أن تعرفى أنى عيسي وأنى أحبك "  وتنتهى المسرحية بكلمات مختلطة لا يفهم لها معنى  من عيسي، ودموع من الأب، وضحكات ساخرة من منى وخطيبها، ويدخل التومرجى العجوز والمفتون بأدب عيسى وسخائه (  أعطاه بقشيش كبير ) ليقول "يا ريت يا ابنى أعرف علتك"  .

                                                                 فتحى عبد الغنى

تعليقات