حاضر الثقافة 2

  

حاضر الثقافة فى مصر ـ2......منشور فى صحيفة القاهرة بتاريخ 18/ 6 / 2019

                             نعم، ما  الذى  حدث ودمر كل هذه الصروح؟ سؤال أنهيت به مقالى السابق، وأعتقد أن إجابته فرض عين علينا  جميعًا.

أى انسان ـ يتمتع بالقدرالمتعارف عليه من الحيدة والخلق، وقدر متواضع من القدرة على التدقيق ـ  لو قارن بين حاضر الثقافة الآن وحاضرها قبل عصر يوليو 52، ورصيفها الممتد داخله، حتى سبعينيات القرن الماضى، سيشاركنى الرأى، أن ثمة كارثة  حلت بالثقافة والمثقفين فى مصر، ولعلها من صنف ما حل بثقافة الفراعنة وأوقف نموها وتدفقها عبر القرون، حسب ما ذهب إليه بعض المتخصصين فى الايجيبتولجى، أو من نوع ما حل بمكتبة الاسكندرية وجعلها فى خبر كان.

ما الثقافة ؟ أو ما الثقافة التى أعنيها؟ أو ما هو مفهومى الشخصى للثقافة الذى بنيت عليه مقالى السابق ومقالاتى القادمة؟

أولا وقبل كل شيئ أحب أن أسجل اعتزارى المسبق لكل من يحفظ  تعريفا فاخرًا حاملا لبادج أكاديمى، ورأى أنى أخالفه، ثانيًا أعلن لكل من  يهمه الأمر أنى أحمل أفكارى على كتفى وأسير فى الطرقات، إن قابلت  ما هو أفضل ألقيت بها بعيدًا ووضعت الأفضل فى مخلتى وعاودت السير فى دنيا الله.. جميلة ومتنوعة وزاخرة بنت الإيه..والعمر قصير، والفرص محدودة، وعالم اليوم لا يرحم المتخلفين عن الركب..منه لله.

وتسألنى هل أنت سعيد بهذا؟ أقول لك لأ، فأنا يا ابن العم أكن إعجابًا غير عادى   بكل من وقع فى هوى أفكاره، وغرسها فى سويداء قلبه، ورواها بدمه ( لا بدم غيره طبعًا ) وحبسها فى عتمة الضلوع، محمية من كل سوء، لا أنكر أن عزلها عن الفريش إير قد يجعلها تحمض وتدود، ولكن ليس بالضرورة لوجود عيب بها، قد يكون العيب فينا، فى الدنيا، فى الكون، فى حركة الأرض ودورانها حول نفسها مرة كل أربعة وعشرين ساعة، وحول الشمس كل سنة، كون كبير، أكبر منى ومنك، ومن أى إنسان، وأى مفكر، وأى زعيم، وأى أيديلوجية، سحق مالتس ورقَّص ماركس، وحوَّل نيوتن من عالم كونى إلى عالم كوكبى ( الأرض )  ورحَّل أشرطة الفيديو، وسرح أشرطة الكاسيت، وسحب الاذاعة من الأدوار العليا ونزلها البدروم، وقال للتليفون الأرضى وشك للحيط،، والآن بدأ يتحرش بالصحيفة والكتاب..مع ذلك أحب هذا النموذج العجيب من الناس، فليس هناك ما هو أحلا وقعا، وأشجى جرسا، من " أنا كده واللى مش عاجبه" يشرب من البحر وإن لم يكفه الأبيض ...قال يعنى ...آسف ( سرحت ..ونعود )

ما الثقافة ؟ هل هى معرفة؟ بالقطع معرفة، ومع ذلك ليست كل معرفة ثقافة، ولأنه فى أيامنا ـ غريبة الأطوار هذه ـ  غير مسموح لأى معلومة بالبقاء وحيدة فرحة بشبابها، ولازما ومن كل بد أن تحشر مع غيرها فى تخصص ما، والتخصص لازما ومن كل بد يحشر مع غيره فى علم ما، وفى حالة عدم وجود علم يناسب معاليها سرعان ما ينشئون لها علمًا خاصًا بها كالفيمتو ثانية مثلا. والمعنى أنه لا معلومة فى العصر الحديث دايرة على حل شعرها، كله فى بيته، وأضيف هنا ـ وبشكل تعسفى نوعًا ـ أن هذا التكنيك لا يخص العلوم غير الانسانية فقط، بل يشمل الانسانية أيضًا، ففى عصرنا الحالى لم تعد العلوم الانسانية إنسانية بأكثر من غيرها، وسنوضح ذلك فيما بعد.

الفولة وبالفصحى اللغز ..إذا كانت كل معلومة تحتل الخانة المخصصة لها فأبن مكان المعلومة الثقافية؟ كما نعرف لا وجود لتخصص، ولا لعلم بهذا الاسم. مع العلم بوجود وزارات بهذا الاسم وكان عندنا شهادة زمان بهذا الاسم.

لكن هل توجد من الأصل معلومة  ثقافية وأخرى علمية؟ ( خبلان  ) أليس كذلك؟ هو كذلك بالفعل، لكن له أصل، وهو أن الثقافي والعلمي كانا واحد  فى الأزمان الغابرة .. لحظة أن وقفت الذات البشرية تبحث عن نفسها مولولة (أروح فين وآجى منين) فى هذا الكون الشاسع.

لم يكن هناك شهيتان معرفيتان، إحداهما علمية والأخرى ثقافية، كانت شهية واحدة  وثقافية فقط، وحصلت على هذا الاسم الرفيع  الشأن  لكونها معنية بشيء واحد فقط  هو الوجود الانسانى، وعلاقته بالكون، ومعاناة الانسان فى غربته ليس فى الكون فقط، بل وفى جسده هو نفسه.

ـ1  الكون غير معنى بالانسان، ويعامله كأى شيئ يوجد على كوكب بلا شأن إسمه الأرض، ومن ثم غير مقدر لخصوصية الانسان، ولا علم عنده بحيثيات القضية التى حكم عليه بموجبها التواجد على هذا الكوكب.

ـ   2الجسد  محكوم بعوامل قوة وضعف لا دور للانسان فيها، نَفَس رايح جاى..لوحده، قلب يدق بلا توقف..لوحده، دم متأهب للهرب مع أول فرصة ..ولوحده، معدة تعمل لوحدها فى صمت وأحيانا تغمغم بلغة غير معروفة، وداخل غامض يصدر روائح كريهة أحيانًا، ( وميعرفش ليه ) ويخرج أشياءا يستحيل البقاء معها فى نفس المكان، ( وميعرقش ليه ) وشيئ غريب يحدث بين الحين والآخر بعد أخذ ورد مع شريكته  عرفا ليه  ..وكانت ليلة ..

 لم يكن هناك غير معرفة واحدة، معرفة اللحظات السعيدة التى يتبادل فيها الانسان والجسد والكون الحب، ومعرفة اللحظات التعسة التى يتبادل فيها الانسان والجسد والكون الكراهية، حيث تنادى الأرض الانسان ..اغلق ملفاتك وتعال ..وفى باطنها المظلم تغيبه وكأن لم يكن.

 من هذا وذاك تدفقت المنتجات الثقافية الكلية، اللغة، الدين، الفلسفة، الحساب، الشعر، الكوميديا، التراجيديا، لوحات الفن التشكيلى، الرواية، السوناتا، الكونشرتو، الطقطوقة، الدور، واعطنى حريتى أطلق يدي، وامه نعيمة نعمين  هذا هو الأصل، ثم حلت الفرقة.

لم تتحقق الفرقة بين العلم والثقافة بين يوم وليلة، أو فى لحظة غضب رمى فيها العلم يمين الطلاق على الثقافة وكانت الفرقة لا، حدث ذلك ببطء، وفى المائة عام الأخيرة بالذات رأى العلماء ـ مذهولين ـ ـ الحجم المهول لانجازاتهم في مجالات القوى الأربع الكبرى.. الجاذبية الأرضية، القوة الكهرومغنطيسية ـ فيما يخص الكون فى أبعاده الكبرى ـ والقوة القوية والقوة الضعيفة فيما يخص أبعاده الصغرى ( الذرة ) مضاف بالطبع سائر فروع المعرفة، ورأى بعضهم أنه لم يعد من اللائق الجلوس وشرب الشاى أو تبادل الأنخاب مع هؤلاء الذين يختالون بالمشاعر الدنيا، ويتخذونها سبوبة، ويسمون أنفسهم بأسمائها، شاعر، موسيقى، رسام، فيلسوف، كاتب، أو يجلس فى مقهى ثقافى واضعًا ساق على ساق، حاملا لرتبة مثقف، هذه مشاعر رأوا أنها  وزعت على كل الناس فى بداية الخلق بالمجانى، ودون امتحان، أو مسابقة، مسألة شطارة، ومن ثم فهى على قفى من يشيل، لدرجة انك هذه الأيام وبالذات فى المحروسة يمكنك أن تكون موسيقارا باستخدام الخبط والرزع، مع تجاوز كل المقامات سيكا،نهاوند،حجازكار، والتحرر الكامل من الانتماء لأب أو جد أو خال كأى لقيط، مع تجاهل تام للربع تون الذى صاحبنا صغارا وشيابا وكهولا ، يعنى " ربع تون حبنا ".

ويمكنك أن تكون شاعرًا أيضًا بدون وزن ولا قافية ولا تفعيلة ولا موسيقى داخلية أو خارجية ولا مشاعر متأججة كأيام زمان "حبيبها لست وحدك حبيبها حبيبها أنا قبلك" وتقوم الخناقةـ  لم يعد يهم ما تقول، المهم هو طريقتك فى القول، قدرتك على صنع هالة حول نفسك، والتصرف كشاعر واثق فى نفسه، وفى الكلمة التى كتبها. ولا تشرح  ولا تبرر ولا ترد بلسانك، رد بعينك، علمها كيف تزجر، كيف تزدرى، كيف تتعالى، وستجد من يسمون ما اقترفته بالقصيدة، ويستخرجون منها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ..وسيستدعونك فى القنوات الفضائية لعمل حديث معك، وانت عارف، وانا عارف، ومدير القناة عارف، إن معد البرنامج عمره ما قرأ لك، ولا هيقرأ لك، وإن مقدم البرنامج مغلوب على أمره وحملوه مهمة الاعداد والتقديم معًا مع توجيه ما تيسر من أسئلة بلهاء، وكله على الله والستار موجود . أقول هذا مع اقرارى بأن التعميم خطيئة وظلم، كما أقر بوجود شعراء على مستوى رفيع فى مجال قصيدة النثر وغيرها..

 ووقع الانفصال، وصدرت لائحته التنفيذية، البند الأول مقياس القيمة هو الامتحان، لا  حيثية لمن لا يمتلك رقم جلوس أو بطاقة عضوية فى السباق، البند الثانى الفتحة التى يطل منها الباحث على رقعة البحث ( الشريحة )  تكون على مقاسها بالضبط، بحيث يركز فيها هى فقط، مع أقرباء الدرجة الأولى، وما عدا ذلك اعتبروه خارج اختصاصهم، ووجدوا أنهم كلما عزلوا أنفسهم عزلا جيدا عن الكل وركزوا فى الجزأ ( الشريحة ) كانت نتائجهم أفضل،وشهرتهم أوسع، ومكاسبهم أكبر، والمساحة التى تفصلهم عن باقى الناس أكبر، فزاد التصاقهم بسلوكهم هذا، وإذا كان هناك ثمة سلبيات أو كوارث يمكن أن تنتج عن اكتشاف من إكتشافاتهم فليس شأنهم، المهم لأى منهم ألا يسبقه أحد فى الكشف عن منتجه العلمى، حتى لو فيه فناء العالم، فإذا وصل أحدهم لطريقة لانتاج  الديناميت وصبه فى قوالب كالحلاوة الطحينية، أو أصابع  العسلية، أو قطع صغيرة كالبونبونى وغلفها تغليفًا جميلا  ـ والتزاما منه بالقانون والسلوك القويم ـ كتب على الغلاف سنة الصنع وفترة الصلاحية وعدد القتلى مع كل click، فى هذه الحالة يمكنه أن يسارع بالكشف عنه، وتسجيل براءة الاختراع قبل أن يسبقه غيره، وإذا كان آينشتاين وصل إلى أن الطاقة تساوى الكتلة مضروبة فى مربع سرعة الضوء فعليه ألا يتأخر فى الاعلان عن معادلته الفذة، حتى لو كانت ستؤدى فى النهاية لصنع القنبلة الذرية، وإذا وصل عالم مثل هنتجتون إلى نظرية ترشد لأقصر الطرق المفضية لخراب العالم، والتى وصفها الدكتور صلاح قنصوة بأنها نبوءة من النوع التى تحقق ذاتها، حسب ما ورد فى تقديمه لكتاب "صدام الحضارات"  تأليف صامويل هنتجتون وترجمة طلعت الشايب، فإن عليه أن يسارع بنشرها غير معنى ـ أومعنى الله أعلم ـ بوجود أشرار سيلتقطونها ويلمعونها ويطرحونها بقوة فى الميديا العالمية مع تفعيلها وتنشيط الخلافات العرقية والدينية والقومية وخلافات الحدود ومد كل الأطراف بالسلاح وتفكيك بلاد وتركيع بلاد وإشاعة الكراهية والزعر فى العالم ودق خوازيق الأساسات لبناء عالم غير منطقى ليكون سكنًا آمنا لكيانات غير منطقية ومعادية بالنشأة للحق والخير والجمال، وإشعال حروب عالمية دائمة بدلا من حرب عالمية واحدة كل عدة سنوات، حروب من نوع جديد لا يكون وقودها السادة وانما العبيد . حروب على القد محندقة تندلع تلقائيا وتنتقل باللمس والهمس وتطلق الآهات فى انحاء الكرة الأرضية  ( وتقش ) المهمشين والضائعين وأبناء السبيل، حتى تخلص العالم من  البلوريتاريا المزعجة، بطريقة أكثر تحضرًا وتواؤما  مع عصر الموبايل والمسبار ومنظار هابل.. نوع من القتل الراقى، الضحية تقتل نفسها بنفسها، وتُفقر نفسها بنفسها، وتشرد نفسها بنفسها، وتحتقر ذاتها بدلا من تحميلهم عناء كل هذا.

ولكى تكتمل الصورة فى ذهنك يا ابن العم، وتصدق أن عالمنا هذا له أصحاب غير مرئيين لكل من هب ودب، ويسير على هواهم لا هواك، وأن الخطوط التى تراها أمام عينيك  متوازية وحسب قوانين الهندسة الصارمة يستحيل التقائها، وأن كل منها يسير منفردًا حتى يوم القيامة، هى فى الحقيقية ليست متوازية تماما كما تراها، بها درجة ميل يا صاحبى لكنها لا ترى بالعين المجردة، وانما تحتاج أجهزة ومتخصصين ومعامل تحليل، ومثقفين برتبة عشرة على عشرة ...أعطيك أمثلة :

ـ لازم تكون رأيت بالعين المجردة خط مستقيم يمثل تغير فى مواصفات ماء الشرب ـ ولازم تكون رأيت أيضًا بالعين المجردة خط مستقيم آخر يمثل ظاهرة تواجد شركات تبيع الماء فى حارة السقايين ( تسمى مياه معدنية ) منها شركة نيسلا

ـ لازم تكون لاحظت وجود خط مستقيم يمثل  تدهور خدمة تاكسي المدينة تاكسى السهرة بتاع زمان وسمعت ورأيت وعانيت من سائقيه وقلة ذمتهم وطول لسانهم  ـ ولازم تكون لاحظت ظهور خط مستقيم آخر ومن خلال كلمة جديدة عليك ودخلت بيتك بدون اذن منك اسمها أبليكيشن واتعلمت وانت طاير من الفرح كيف تطلب أوبر وكريم وجاءا واستمتعت بالرقة والأدب الجم ونمت سعيدًا وأنت لاتعلم أن 20% من فلوسك التى هى فلوس بلدك حولت للخارج.

ـ لازم تكون لاحظت وجود خط مستقيم يمثل انحدار السينما المصرية وتشفير تراث سينمائي يحمل صور نادرة لمجتمع كوزموبوليتانى زاخر بالتسامح الدينى والعرقى واللى فى قلبه على لسانه من خلال صحافة حرة متنوعة وصحفيين ينامون يوم فى بيوتهم ويومين فى التخشيبه

ـ ولازم تكون لاحظت خط آخر مستقيم يمثل تزايد الاصولية الدينية وتوحشها، ( كانوا يضربوننا بالجنازير ) وطبعًا لاحظت بعض نجماتنا السينامائيات الحسناوات وهن يلتزمن وفرحت كما فرحت أنا أيضًا، وفرحنا كلنا فى الحقيقة 

كلها كما ترى خطوط متوازية متباعدة، ترى أنه يسنحيل أن تتلاقى والحقيقة أنها  تتلاقى، وتتلاقح فى الحرام، وتلد شياطين يهدمون حياتنا فوق رؤوسنا لكن ببطئ شديد تأخذ سنة سنتين عشرة .....

اسمع تعالى معايا نخطف رجلينا ونروح دافوس، ما تخفش هى مدينة سويسرية بالغة الجمال، وإن كانت وكرًا لما يسمى مؤتمر دافوس، هذا المؤتمر مكون من ألف شركة  من النوع الذى يطلقون عليه (مالتى ناشيونال)  الحد الأدنى لراس مال كل منها لا يقل عن مليار يورو، وأى شركة تريد الانضمام يشترط ألا يقل رأس مالها عن ذلك، وعليها سداد رسم دخول مليون يورو، وسداد اشتراك سنوى مائة وخمسين ألف يورو، بذا تصبح عضوا فى هذه المافيا العالمية  المقننة، ولها أن تحضر اجتماعاتهم وتشترك فى توصياتهم، وكان من بينها توصية بانشاء منظمة التجارة العالمية (الجات) وستعرف يا طويل العمر لماذا انتقال الجزم بين الأقطار سهل وانتقال البشر صعب، ستعرف لماذا يستحيل غرق رسالة جزم، بينما تغرق مراكب بشر من وقت لآخر، وستعرف أيضًا يا طويل العمر كيف ومتى ضربت الصناعة فى بلدك مصر "واحنا قاعدين" ستعرف لماذا اختفى الشراب السيلفر وقميص النوم الحريمى بالغ النعومة والبيجامة البوبلين والكستور والقميص اللينوه وصوف العسكرى والسيارة ال 28 وجهاز تكييف كولدير وإطار الكاتشوك نسر وسبب الاختفاء القسرى للترزية، وستعرف لماذا تقوم بعض المظاهرات ضد هذا المؤتمر وتنفض بسرعة ( ولا تسخن مطرحها ) وستعرف إذا ما سمعت كلامى وواصلت القراءة، أن مقاومة كل هذا ليس بالرفض، وإنما بالثقافة أو بشكل أدق بالقوة الثقافية أو العزم الثقافى كما سأبين، بالمناسبة شركتى نيسلا وأوبر من ضمن الألف شركة  )سرحت ونعود(

 من التبسيط المخل، اعتبار الثقافة والعلوم الانسانية شيئ واحد لكونهما مختصان بالوجود الانسانى، لماذا؟ أقول لك، لأن التفرقة بين ما هو ثقافى وما هو غير ثقافى غير مؤسس على المنتج البحثى وإنما على دوافع البحث، فكل العلوم انسانية، وكل المنتجات انسانية لأنها تلبى حاجات الانسان الخيرة والشريرة على حد سواء،  فمن يمكنه القول أن جهاز الأشعة المقطعيىة غير انسانى؟ أو أقل انسانية من قصبدة سلوا كؤوس الطلا لشوقى؟ أو أن السكين وجدت بسبب دوافع غير انسانية، العبرة إذا بسلوك الباحث، فإذا كان دافعه السباق فعليه الالتزام بشروطه، وكما هى، وعلى رأسها البحث فى (الجزء)  لا الكل( سباق الشريحة ) .

ونحسبها هل كان السباق أو الامتحان هو دافع ابن خلدون عندما عزل نفسه فى بيته ليؤلف كتابه " العبر "  حتى من عنوان الكتاب تجد الرجل يريد أن يقدم منارات كشافات علامات على طريق الانسان تهديه فى حيرته فى الكون فتطوع بالتقليب فى الفوضى بحثًا عن النمط، النسق، القاعدة، القانون،، ولذلك حبس نفسه ليجيب على أسئلة من نوع لماذا تسقط الممالك أو ما التاريخ أو ما العمران فكانت مقدمته ذائعة الصيت. وهل كان دافع جوستاف لوبون وهو جالس يراقب  روح الجماعات ويكتب، وهل  خطر ذلك  بزهن نيوتن وهو يسأل لماذا اتجهت التفاحة إلى أسفل ولم تتجه إلى أعلى، أو لماذا سافرت رأسيًا ولم تسافر أفقيا كبقية خلق الله؟ أو دارون وهو يلف العالم كعب داير منقبًا فى كهوفه ليعرف من جدوده الحقيقيبن،  ونأتى للكوم الكبير، أو الرجل الحكاية المسمى كارل ماركس، ولنرصد المنظور الشاسع الذى نظر منه، وتتملكنا الحيرة هل هو منظور اقتصادى. منظور فلسفى، منظوراجتماعى، أخلاقى، دينى، إلحادى، شعبوى ( بتاع كله ـ قشاش) لماذا؟  والاجابة ببساطة لأنه منظور ثقافى..رجل يعانى من قَلَق فطرى على مصير الانسان..إحساس فطرى بوحدة الألم الانسانى..اهتمام برفاهية بكرامة الانسان التى لا يمكن تحقيقها إلا بالعدل، وميزان العدل مختل. وبمسئولية المثقف بالمعنى الذى أوضحناه فى السابق، أعلن أن أدوات الانتاج بلغت من الجبروت حدًا مكنها من استعباد صانعها ..الانسان، وضربت عرض الحائط بخصوصيته، وأصرت على أن يكون مثلها بلا شعور بلا حقوق. هذا عن كارل ماركس باحث القرن التاسع عشر، ولكن ماذا عن باحث القرن الواحد والعشرين؟  

بفرض أنه اقتصادى بريطانى، الشريحة : علاقة بريطانيا بالاتحاد الأوربى والآثار السلبية للبريكست، أقارب الدرجة الأولى ميزان المدفوعات معدل البطالة.

باحث أجتماع اسرائيلى، الشريحة : كيفية عمل بروفيل للمجتمع المصرى، أقارب الدرجة الأولى، عدد السكان، نسبة الذكور للاناث، نسب الشباب للشيوخ، التعليم، نظام الحكم، الأجهزة القادرة  تلقائيًا على تعديل المسار، قدرة المجتمع على التفاعل مع تغيرات العصر مرن؟ متخشب ؟ ألخ ويتم توظيف كل أدوات علم الاجتماع ونظرياته لأجل الوصول لهذا البروفيل، وبدلا من ارسال الملفات لليونسكو أواليونيسيف أو تقديمها للجارة الكبرى، أول من حملت على عاتقها مخاطرة توقيع معاهدة سلام معهم؟ لا ، يرسلوها للموساد ووزارة الدفاع ليقوم خبراؤهما بتصميم خرائط الحرب من عينة الجيل الرابع، التى أسميتها فى كتابى "براثن الوعى"  حروب بلا دماء ( bloodless war  ) وكما نرى علم انسانى تحول إلى لا انسانى.

 ويخطىء  من يظن أن النانو تكنولوجى وهو العلم الذى امتلك القدرة على تغيير خصائص العناصر واسقاطها من عليائها، فجعل الذهب الذى كانت كلمته دهب ومتنزلش الأرض،  له أكثر من كلمة وربما يعرف لغات..هو ابداع، لا أنكر، ولكنه أيضًا مؤشر ذى دلالة ـ يجب ألا نغفل عنها ـ وهى، استحالة أن يتركز الابداع فى مجال دون آخر، أو أن تتجلى العبقرية فى علم الكيمياء ولايكون لها وجود فى علم السياسة أو الاجتماع، فإذا كان هناك علم باسم النانوتكنولوجى يغير خصائص العناصر التى نعرفها بها من ملايين السنين، ففلماذا لا نتوقع وجود علم آخر قد يكون اسمه  النانوبوليتيك يغير مواصفات الشعوب، بدل ما تتعاطى الحشيش تتعاطى الهيروين والكوكايين، بدل الاسلام الوسطى تتعاطى اسلامًا ليس فيه من الاسلام غير اسمه، أما بقيته  فهى بارود وكراهية وازدراء لجنس الانسان. ابتكار طرق جديدة لفرض الهيمنة غير الطريقة القديمة التى احتاجت لحروب حصدتهم فى حربين عالميتين، وشربتهم المر  كاسات وكاسات على حد وصف رجاء عبده فى أغنيتها المؤثرة جدًا والمعاصرة جدًا ( البوستجية اشتكوا ) .

كانتا تجربتين رهيبتين بعدها التزم كل رئيس باستلام الشعب بالعدد وتسليمه  بالعدد فى نهاية رئاسته.

علماء الشريحة أو علوم الشريحة حقيقة واقعة لعبت دورًا مهمًا فى تغيير شكل عالمنا المعاصر ومنحته هذا القدر من الأنانية ودفعت باليمين المتطرف للواجهة ... ولكن للحديث بقية

تعليقات