حاضر الثقافة فى مصر ـ 1 ـ

  

حاضر الثقافة فى مصر 1.......منشور بصحيفة القاهرة فى 5 مايو 2019

مستقبل الثقافة فى مصر قضية، كتب فيها طه حسين، الأستاذ الجامعى، العميد، الوزير، المفكر ذائع الصيت. رآها فى أيامه قضية هامة ـ وهى بالفعل كذلك ـ غير أنه لو كان حيا بين ظهرانينا اليوم لرآها لونا من الترف، وأن القضية الأولى بالرعاية الآن هى حاضر الثقافة فى مصرهل يعقل أن يهمل رصدها وتقييمها على هذا النحو المفجع؟ رغم التدهور المرعب فى القوة الناعمة المصرية ألذى نراه أمام أعيننا الآن؟ أليس هذا فى حد ذاته دليلا آخر على تردى حال الثقافة فى مصر؟

لقد فجرت هذه القضية نفسها فى رأسي ( مع انها ليست ارهابية ) بمناسبة زيارة السفير الاسرائيلى لمعرض الكتاب، وارتفاع أصوات المثقفين تنديدا بالزيارة والزائر، واحتجاجا على من سمح بها، وتساءلت ( نوع من الخبلان الجينى ) لما؟ ليزر المعرض؟ وعلى هذا المعرض إذا كان بالفعل معرضا حيا معاصرا يحمل الجينات الوراثية الثقافية لأمة عمرها فوق السبعة آلاف عام، وتعدادها مائة مليون،  وعلمت قلب الحجر يوصف معارك  لنتصار، وكانت دولة عندما كانت اسرائيل حفنة من العصابات، راحت تثبت وجود نفسها ببقر بطون الحوامل فى دير ياسين، لتحمل عارا سيسافر معها  عبر القرون، مالذى يمكن أن يحدث لو تحقق ذلك؟ ألن يرى السفير الاسرائيلى فى المعرض مرآة ثقافية عملاقة تعكس صورة لاسرائيل فى عين جيرانها، أو من يرجو أو يتصور أنهم جيرانها، أو من حلم بجيرة طبيعية كالتى بين بنى البشر لا الذئاب؟ ماذا لو رأى هذه الصورة كمنتج ثقافى لا أثر فيه للسياسة أو الافتعال أو التخطيط أو العداء؟ ألن يصاب بالخزى؟ ألن يتراجع عن اعتبار نفسه انسان متحضر غير مطارد من ثقافة العالم؟ ألن يسأل نفسه ماذا لوظهرت هذه التلقائية فى كل معارض العالم؟ هل سيجدى اسرائيل نفعا فرض قانون مثل القانون المضحك المسمى بمعاداة السامية؟ ألن يعاوده القلق على مستقبل اليهود فى العالم؟ ما خطبك يا أمة العرب؟ ماذا لو رأى منتج العقلية التى تدير بلده وتيقن من أنها ليست عقلية معاصرة، وانما عقلية أصولية متعصبة متطرفة تسير فى اتجاه معاكس للحضارة التى دفع فيها الانسان دم قلبه ؟ عقلية الجيتو والجدران العازلةـ والتربص والخطف، والأسوء أنها لم تعد عقلية حكومة بل عقلية عموم شعب.  

                                       وكتبت

الثقافة فى العالم كله تتصف برحابة الصدر، وربما باتساعه، أما فى بلدنا، وفى الآونة الأخيرة، تراها ضيقة الصدر، قصيرة النظر، متشنجة، مصابة بهشاشة العظام، لا نفوذ، لا شعبية، لا ميكرفونات، خرساء، كل أبواقها ومنصاتها، تقع فى كومباوندات إعلامية، ببوابات عليها حراس أشداءـ ويغيب عنها أنها شيئ والسياسة شيئ آخر.

الثقافة نهر متدفق يأتي يوميًا بمياه ليست هى نفسها ما أتت بالأمس، نهرغير محكوم بشيئ آخر غير توافقات بين الرياح والضغط الجوى  والحرارة ومياه البحار والمحيطات، كلها قوى كونية، حرة، غير خاضعة لإملاءات، كل منها له خصوصياته وتوجهاته، وأخلاقياته، ونزواته ومع كل تناقضاتها تنتج ماءا بغيره لا حياة لبنى البشر، ولا لبنى غيرهم، أما السياسة فمحكومة باعتبارات القوة، والمصالح، والأغراض، والتعليمات الفوقية، والنفاق، والمال، والدم، والويل الويل يا يا امه الويل لأى بلد يجعل السياسة حاكمة للثقافة، أو حضَّانة لها، أو يضعها فى مرتبة أعلى أو حتى  مساوية، أو أن يحول السياسة لأستاذ والثقافة لتلميذ تقول له وجهك للحائط، أو هات ولى أمرك.

 ومن عجب أن يكون حاضر الثقافة فى مصر الآن مؤسفا ومؤلما ومحبطا  إلى هذا الحد، رغم أن نهضة مصر ذاتها كانت منتجًا ثقافيًا بحتًا، نشوءا وارتقاءا وممارسة، وبالفم المليان أقولها وغدارتى فى يدى فى تحد سافر لأى مبارز  "مثقفو مصر ـ فى مستهل القرن العشرين ـ صمموا سياسة، وأنشأوا عصرًا، وصنعوا ازدهارا وتوهجا، ودفعوا بمصر إلى واجهة العالم المتحضر نيابة عن الشرق الأوسط كله، بما فيه إيران وتركيا.  

خمسون شخصًا كانوا حصيلة سلسلة من التفاعلات غُرست بذورها مع ثورة فرنسية حطت الرحال على شواطئنا، محمولة على أكتاف حملة، القوة العسكرية أحد جوانبها، بينما قوة العلم، والثقافة، والأمل فى غد أفضل للبشرية باقى جوانبها، تلاها حكم محمد على بمنجزه العبقرى..ارسال بعثات تعليمية إلى فرنسا،  الحث الحضارى للشيخ رفاعة الطهطاوى من خلال كتابه العمدة " تخليص الابريز "  ،  اللائحة السعيدية التى أصدرها محمد سعيد باشا لتعطى للمصريين حق امتلاك الأراضى الزراعية، لتدخلهم بالحق لا الباطل سلك الأعيان، الرقى الاستثنائي للخديوى اسماعيل، الأفق الكونى للإمام محمد عبده، الظهور المدوى لمدن بورجوازية  زخرت بأفندية بطرابيش مقايسها عبرت بجلاء عن حس جمالى مزروع فى أغوار الانسان المصرى منذ عصر الفراعنة وربما أبعد ..محامون ومهندسون ومحاسبون وإداريون وكتبة، وتواصل كثيف وغير مسبوق مع الحياة الأوربية من خلال نبتة جديدة من شباب مصرى مشحون بالأمل، يضاف احتلال بريطانى بغيض.

هؤلاء الخمسين خرجوا من صلب مثقفين قوميين مصريين وصلوا لحقيقة بالغة الأهمية والخطورة وهى " أن الاحتلال البريطانى ليس سبب التخلف والضعف وإنما هو نتيجة للتخلف والضعف "

آسف قارئي العزيز، إذا كنت فى عجلة من أمرك، توكل على الله انت، وشوف مصلحتك، أما أنا فباق هنا فى هذا المكان لبعض الوقت، وربما أجلس وأطلب شيشة عجمى. نعم من هذه الرحباية، ومن خلال تأمل المثقف المصرى، وقدرته على التفرقة بين السبب والنتيجة، شق النضال القومى طريقًا آخر غير الطريق المطروق.

المطروق، لافف، يمر عير الأستانة، مصر ولاية عثمانية، بريطانيا تحتلها بدون  وجه حق، ترحل لتعود مصر ولاية عثمانية. مسألة قانونية بحته، وحق واضح وضوح الشمس..على أساسه شجع الخديوى عباس حلمى الثانى الطلائع الوطنية ألتى خرجت من لدن جو ثقافى عام، به العديد من المنتديات الأدبية، من هذه الطلائع جمعية الصليبة السرية  التى أسسها مصطفى كامل، جمعية تحرير مصر السرية التى أسسها الصديقان أحمد لطفى السيد وعبد العزيز فهمى، الخديوى يطلب دمج الجمعيتين لتشكلا حزبًا سريًا  سمى بالحزب الوطنى، كما سفَّر الشباب للخارج للدراسة، وفى نفس الوقت للتنديد بالاحتلال البريطانى. ضم الحزب الوطنى السري عددًا كبيرًا من الشباب الذين أصبح لهم دور كبير فى الحركة الوطنية فيما بعد، ومنهم محمد حسين هيكل وعبد الرحمن الرافعى ومحمد فريد ومحمد محمود واسماعيل صدقى وغيرهم.   

رغم احترامنا الكبير للحزب الوطنى كمدرسة وطنية خرجت العديد من الرجال المناضلين المتمتعين بدرجة عالية من التجرد سواء فى طوره السرى أو العلنى إلا أن هناك بعض مما يوجب التنويه.

أولا ـ أيديولوجية الحزب ترتكز على ما يملكه الحق فى ذاته من قوة، ويبدو أن هذا هو الفخ الذى غالبًا ما يقع فيه كل من لهم حقوق عادلة، واضحة وضوح الشمس، أو ساطعة سطوعها، حيث يرون أن القوة الكامنة فى الحق ملزَمة بذاتها برده، وكل ما عليهم هو التنديد بمغتصبه والتمسك به، وعدم المساومة عليه، ومن هنا كان شعارهم  الخالد الجلاء التام أو الموت الزؤام.

ثانيا ـ  الحبس الانفرادى للنضال الوطنى بين جدارين الجلاء التام أو الموت الزؤام  بمعنى أنه إذا لم  يتحقق الجلاء التام يكون الموت الزؤام، وهنا تكون البطولة فى الموت لا فى الحصول على الحق.

ثالثًاـ وضوح الحق على هذا النحو يجعل أصحابه ينظرون بعين الرضا لحشود المتضامين معهم وتسعدهم فصاحة الخطباء وبلاغة الشعراء فى حفلات تأبين الحق، وفى بعض الاحيان يعتبرون أن وصف الناس لهم بأنهم لم يخونوا قضيتهم ولم يتفاوضوا بشأنها يساوى الحصول على الحق نفسه.  

رابعًا ـ الدفاع القانونى لابد أن يوجه لقضاة أو لجماهير تحكم فما العمل إذا كان القضاة والجماهير ليسوا إلا الأوربيين مقترفو جريمة الاحتلال؟  

خامسًا ـ الدفاع قائم على أن مصر ولاية عثمانية. وهذا دفع يجبر صاحبه على مداومة التأكيد على ملكية تركيا لمصر وإلا انهار الدفاع من أساسه، وهناك مثل صارخ على هذا التوجه، ورد فى كتاب "أحمد لطفى السيد " لمؤلفته الدكتورة عواطف سراج الدين أنه عندما احتلت تركيا طابا فى 1906 بقصد ضم سيناء للحجاز، أيدت جريدة اللواء التى يرأسها مصطفى كامل تركيا وبررت ذلك بقولها إن العثمانيين سادة مصر وأن لهم كل الحقوق على الأراضى المصرية.

هذا هو الطريق الذى سلكه النضال القومى المصرى، كما نرى، طويل،  وموحل  

الطريق الجديد، شقه المثقف المصرى، الذى لا ننكر أنه خارج من عباءة الحزب الوطنى، ولكن بصفته التبشيرية لا النضالية. وعلينا هنا أن نرمق التواصل، وشواهد النشوء والارتقاء والتحول التلقائي، التى اتصفت بها الحركة الوطنية، جراء النشاط الثقافى المفرط للمثقفين المصريين، كل هذا مفتقد فى ثقافتنا الحالية ـ مقطعة الأوصال ـ  كما سنرى فيما بعد.

 المثقف المصرى المطوَّر اكتشف  طريقًا مختصرًا أوله مصر وآخره مصر، الجانب القانونى المعدل أحد عناصر القوة،  وليس كل عناصر القوة، باقى العناصر عليه البحث عنها وتملكها وتفعيلها وتطويرها وتجديدها واسقاط بعضها وإحلال غيره، عملية ديناميكية مستمرة، لا تخلوا من مرونة، وتنازلات مؤقتة، وابداع، ومدى طويل ومدى قصير، وكله حسب ظروف النضال ونجاحاته واخفاقاته، وكله فى اطار براجماتية وطنية مستحدثة ومنقولة بأمانة من سلوكيات الدول الأكثر تقدمًا.

الداخل وليس الخارج هو الميدان الذى عليهم أن يوجهوا جهودهم نحوه، الشعب المصرى وليس الفرنسي هو من يقع عليه عبئ اثبات حقه فى الحرية..تساءلوا  فى جدية واصرار وحرفية، كيف ينهض؟ كيف ينتفض؟ كيف يقف على رجليه، كيف يشرئب بعنقه، ماذا يلزمه؟

ببواعث ذاتية بحتة وبخلطة ثقافية قومية مدعومة بملاءة مالية أسس  الخمسون السابق ذكرهم شركة مساهمة بغرض اصدار صحيفة.

صدرت الصحيفة، اتخذت لنفسها اسم " الجريدة " ، تحولت منهم إلى حزب، اصدار صحيفة أقل بكثير من امكانياتهم، من أهدافهم، من طموحاتهم، ليسوا مجرد مساهمين فى شركة مالية، هم أمة، أمة مصغرة، لقطة طليعية لأمة تصوروها، أو صمموها، مستخدمين "باترون" الأمة الانجليزية، لا لسنا أقل منهم ولماذا نكون أقل منهم؟ وكيف نصبح مثلهم وأحسن منهم؟ شباب متعلم مثقف ميسور الحال يريد كل شيئ لبلده، وكان، أطلقوا على حزبهم اسم حزب الأمة.  فى تقديرى أنه كان  ـ  بمثابة الذرة التى تولد منها الانفجار العظيمbig ban  .. ومثله برَق وتلاشى منكرًا ذاته كصانع للحياة، تألف فى 1907 وانتهى أو ذاب فى 1914 ، والغريب  أنه فقد الجسد لكنه لم يفقد الروح، ظلت روحه ترفرف خلال سنوات الحرب العالمية الأولى بأحكامها العرفية. وما صاحبها من كبت للحريات، الجريدة اختفت ولم تختف، ظهرت فى جريدة السفور حيث مثل كتابها الصقور دور الحمائم بموجب اتفاق سرى مع صاحبها، جعلوا من التنوير هدفهم، وكان منهم محمد حسين هيكل والشاب طه حسين ومصطفى عبد الرازق وغيرهم ،  والحزب المعروف براديكاليته تقمص شخصية حزب اجرائي أو شكلى باسم الحزب الديمقراطى هدفه تحقيق شرط سعد زغلول للمشاركة فى الوفد المسافر للندن   ( المرجع د.أحمد زكريا الشلق ) .

يعود الجميع أكثر قوة وحيوية وتوهجا بعد نهاية الحرب، ليقدموا للحركة الوطنية ما يلزمها من قيادات، فترى عبد العزيز فهمى ثالث ثلاثة ذهبوا للمندوب السامى البريطانى يطالبون باستقلال بلدهم، وتراهم يشكلون معظم مؤسسي حزب الأحرار الدستوريين، و يدخلون ضمن مؤسسي حزب الوفد، وكله يحمل ثقافة حزب الأمة وفكره وتوجهاته التى تبدو تحولا فى اتجاه الحركة الوطنية، إلا أنها فى حقبقة الأمر لا تعدو كونها فروع وأوراق لجذور زرعت فى السابق، حتى لتصل فى قدمها لزمن الفراعنة، وصدقونى أو لا تصدقونى، أن هذه الخميرة شممت رائحتها  فى خروجة 30 يونيو2013 ، ما أكد لى أن الثقافة المصرية ليست جودو صمويل بيكت، وإنما  جودو حقيقي قابع فى أعماق الشخصية المصرية.

الهدف النهضة الشاملة، الاستقلال جزء من كل، اندلعت ثورة تسعتاشر بعد توفر ما يلزم لأى ثورة من دوافع مادية حياتية، أخذت الشكل العنيف الذى تأخذه كل ثورة، تجمعات عشوائية فى شوارع المدن والقرى، هتافات، قطع طرق، قلب ترومايت، تكوين جمهوريات، الهدف واحد الاستقلال التام أو الموت الزؤام.

الخصم أعتى قوة فى العالملها مصلحة فى احتلال قناة السويس، فماذا تكون النتيجة غير الموت الزؤام لا للشعب بالطبع ـ فالشعوب لا تموت ـ وإنما للثورة، فما الذى جنب الثورة هذا المصير المحتوم؟ الثقافة المصرية ..المثقف المصرى كان هو العقل الذى أنقذها واستخدم طاقة الثورة فى صنع نهضة شاملة ملفاتها كانت جاهزة وتحت يديه.

فى الثلاثينيات والأربعينيات والخمسينيات من القرن العشرين وصلت الخصوبة الثقافية إلى أقصى مداها، وطرحت أجود وأغزر حاصلاتها، وآه لو حافظنا عليها، ولو ثمنا نسلها، ما فرطنا فيه ولا بكنوز الأرض.  

لأنها ثقافة منها للسماء كان من الطبيعى أن تتنوع، ويكون منها المعقول وغير المعقول. والأزرق والبمبى. والأخضر بكل درجاته، والأحمر الفوشيه والأحمر المقفول، وطرق رئيسية وطرق فرعية وأزقة وحودايات، ونقر وفخاخ وحدائق غناء وخرائب وناس بتقول وناس بتسكت، ناس بتصيح وناس تهمس، ناس تأخذ من الوقار وسيلة اقناع، وناس تأخذ منه ساترًا تخفى خلفه جهلها وضحولة فكرها، وناس تتخذه قناعًا تخفى وراءه التواء توجهاتها، ومع كل هذه المتناقضات لم يؤخذ عليها اتخاذ قرار كارثى أبدًا. وعندنا مثال صارخ لذلك، مشروع مد امتياز شركة قناة السويس 40 عاما اضافية مقابل سداد أربعة ملايين جنيه استرلينى تدفع للخزانة المصرية. رغم أن المشروع طرح فى ظروف بالغة الصعوبة، محتل أجنبى وجاليات أجنبية لها محاكمها الخاصة وعرش ولاؤه موزع بين وطنيته وحرصه على البقاء، وإقطاع ورأسمالية. ثم موافقة بطرس غالى رئيس الوزراء  وتسنره  عليه ومحاولة تمريره فى الجمعية الوطنية، قامت الدنيا، أحمد لطفى السيد كتب، محمد طلعت حرب كتب، وقدمت الدراسات التى تؤكد مخالفة القرار لمصالح البلاد، الصحافة هاجت وماجت، أغتيل بطرس غالى، سقط المشروع .

 فى ظل هذا التأجج الثقافى الذى لعب دور الظهير السياسي أو الحضانة للسياسة أنشأنا جامعة وبنكا ومصانعا ومعاهدا فنية وسينما وأدبا وبورصة وصناعة وطيران وظهرت اتحادات العمال والشيوعيون والاشتراكيون والاخوان المسلمون وأصوليون وملحدون ومؤمنون  وليبراليون واصلاح تعليم وانشاء مدارس ومرأة فارده قلوعها وبتقول وقالت وناس محترمة وناس واطية ومجالس نيابية كلمتها متنزلش الأرض (غير حنفى خالص )  ولا سبيل لكسر دماغها إلا حلها عن طريق مادة ملعونة تسللت لدستور 1923 تعطى للملك الحق فى حل المجلس عندما يرى وجود ضرورة تحتم ذلك ( لمصر فى كل خرابه عفريت ) واستقلال الا ( حته ) وفى طريقه للاكتمال وكله خاضع للتوازنات الطبيعية أو الخَلقية نفس التوازنات الطبيعية التى تلعب دور الحكم فى حالة الكراهية الحمقاء التى بين القطط والفئران فلا القطط انتهت ولا الفئران تلاشت نفس التوازنات  التى تحكم التنوع الثقافى والعقائدى فى الدول المتقدمة مثل انجلترا فرنسا أمريكا ايطاليا تظهر الشيوعية عندهم تظهر عندنا تظهر الفاشية عندهم فورًا تظهر عندنا  قمصان حمر عندهم قمصان زرق عندنا تتربع الرومانسية على عرش الأدب والفن التشكيلى والغناء تجلس على كرسى العرش عندنا، عندما تطل السريالية برأسها، يحتضنها رمسيس يونان على الفور،  تجد الوجودية طريقها لثقافتهم تجدها عندنا بتلعب عروسة وعريس (وقمر بلدنا الليله مفيش زيه مفيش زيه)  لأ معلهش أمة حية نسب العناصر المكونة لها  مضبوطة على الشعرة، تطرف أقلياته محكومة بأغلبية قوية، بالها طويل على الآخر، وكاظمة للغيظ، وقادرة طول الوقت بآلياتها القانونية  والدستورية والأمنية على تحجيمها وردعها وتعريفها لحقيقة نفسها دون الخروج على ما أصبح الآن يسمى بحقوق الانسان. إخوان مسلمين يوازنهم الليبراليون والشيوعيون وحكومات قوية، شيوعيون يوازنهم  برجوازيون وليبراليون وإخوان مسلمون وحكومات صاحية وجاهزة لاتخاذ اللازم، وهناك الوفد والاحرارالدستوريون، برجماتيون بأفق مثالى، وهناك ملايين السايبين الذين ينحازون بالقطعة على حسب ما يرون فيلعبون دور رمانة الميزان عند الخطر..بعض  الكلوبات مطفأة نعم لكن معظم الكلوبات منورة والمطفأ سيأتى  وقته ليضاء ( زى كلهم ) بخور الوسطية الاسلامية تعبق الجو وتطرح البركة وبمنتهى الأدب تضع السلفيين والملحدين خارج السياق إذا ما هلت طلائعهم. ميكانيزم طبيعى وإن علا صوت الشيوعيين تصدى لهم البرجوازيون ونافسوهم فى انشاء اتحاد العمال وأصدروا قانون النقابات والتأمين ضد اصابات العمل وأفسحوا مكانا للعمال فى تنظيماتهم الحزبية وطعموا برامجهم الحزبية ببنود اشتراكيةمالذى حدث ودمر وقوض كل هذهالصروح؟

 

 

متى يا مصر

بوش وكوندا يختلفان مع مبارك لوقفه المسيرة الديمقراطية فى مصر/ أوباما يشارك فى خلعه ويفتح الطريق لحكم الاخوان/ اليوم يصدق ترامب على خطة وقف المسيرة الديمقراطية فى مصر ( التعديلات الدستورية ) /متى يا مصر سيصير مصيرك فى يد شعبك كما كان عليه الحال قبل ثورة 23 يوليو 52 ليس فى جيلنا الغارب على أى حال (هذا إذا كتب لها البقاء )

 

 

مقاله من غير عنوان حط العنوان انت .....والا اقول لك سميها سفاله وساخه أى حاجه انا طهقت

ما الذى تريده الأمم المتحدة والسبعة الكبار من ليبيا؟ هل تريد لها الاستقرار؟ ماشى الحل بسيط 1ـ تطلب من حفتر وقف الزحف على طرابلس 2 ـ تطلب من الميلشيات تسليم سلاحها 3ـ الاعتراف بالجيش بقيادة حفتر أو عيره جيش ليبيا الوحيد 4 ـ دخول كل ليبيا فى العملية السياسية المدنية 5 ـ فى حالة خروج الجيش الليبي بقيادة حفتر أو غيره على هذه الترتيبات يقوم النيتوا بتدميره بالطيران كما حدث أيام القذافى أما كونها تسلم بشرعية الميلشيات فهذه بكل المقاييس وساخة سياسية وجريمة بكل المقاييس فكيف تقوم الأمم المتحدة بتسليم رقبة شعب لميلشيات مسلحة مختلفة المشارب والاتجاهات ولا تقل لى أطراف سياسية أى طرف مسلح يستحيل أن يطلق عليه طرف سياسي وعلى فرنسا وايطاليا أن يتحليا بشيئ من الحياء كفايه حرام معاكم ان العرب بهايم ومش فاهمين حاجه وعندهم جامعه بدل مايسموها جماعة البهايم مسمينها جامعة الدول العربية لكن انتم ناس مثقفين وبتفهموا وعاملين كومبيوتر ومحمول وطلعنوا القمر عيب اختشوا كفايه اراقة لدماء المسلمين حتى لو كانوا بهايم دا انتم بتوع الرفق بالحيوان ما تدخلوا بالمرة الرفق يالانسان يا اولاد الكلب يا سفله ماكرون بيتصل بالسراج ليه هو ربتاع ايطاليا ؟ السراج فى ايده ايه؟ دا شرابة خرج ، دا شخشيخة فى ايد مليشيات مموله من الاخوان وقطر وتركيا دول همه اللى حميينه. وبعدين وانتم بدعتم المفهومية فيه حكومة فى الدنيا ممكن تنجح أو تعيش من غيرجيش نظامى بقيادة موحد يحميها ويتلقى أوامره من رئيسها اخص الله يخرب بيتكم.

 

اقرأ وضع العنوان الذى تريده ....لاحظت أن المقال يقرأ حسب جاذبية العنوان لا قيمة المقال

قبل 23 يوليو 1952 كنا نحكم بشروط شعبنا وبتوجيهاته بعده أصبحنا نحكم بشروط حكامنا وتوجيهاتهم الأول كان يمكننا أن نقول لا بعده لا نملك إلا أن نقول نعم ولو حققوا النجاح المأمول لهان الأمر لكن فقدنا سيناء مرتين عادت فى الأولى بفقدان قرية أم الرشراش " إيلات الآن " وحصلت عليها اسرائيل بالاحتلال العسكرى كهضبة االجولان الآن وهضمتها وانتهى الأمر ولا حس ولا خبر وانس وفى الثانية حصلنا عليها بثمن آخر سيادة محكومة بترتيبات أمنية وسير على الصراط وخذ عندك ا أزمة اسكان مزمنة ومصانع شللاه يا سيد وديون ربك هو الستار وجيش يحمل بمسئولية الدفاع ومسئولية الأمن ومسئولية اقتصادية وتموينية وقطارية وفى الطريق مسئولية سياسية أما دورنا كشعب تعيش انت كمبارس ماشى ديكور ماشي أى حاجه ماشي وماذا لو اتفقت السعودية على بيع تيران وصنافير لليهود صفقة ترامبية مثلا ماذا سيكون عليه وضع الملاحة فى قناة السويس؟ مش كان واجب على الأقل أن يكون هناك ضمانات لعدم حدوث ذلك فى المستقبل حتى مع تسليمنا بملكية السعودية لها لأنها الهاويس الذى بغلقه تتوقف الملاحة وبفتحه تستمر الملاحة يعنى وجود مصلحة لنفوذنا عليها وسيطرتنا عليها عسكريًا وليس اقتصاديًا ؟ أيام ما كان فى امكاننا أن نقول لا منعنا مد امتياز شركة قناة السويس لمدة 40 سنة اضافية كطلب المحتل البريطانى مقابل أربعة مليون استرلينى صفقة وافق عليها رئيس الوزراء بطرس غالى والبرلمان والرافعى قال وسعد زغلول كمان لكن الصحافة والناس الشعب وقف للجميع وألغيت الصفقة وفقد بطرس غالي حياته رغم ان كان له مبرراته لكن الشعب رفض لأن له أيضًا مبرراته رئيس الوزراء عقل واحد لكن الشعب مجمع عقول من عينةأحمد لطفى السيد طلعت حرب محمد حسين هيكل كلهم كتبوا وغيرهم كتب وهاجت الدنيا وماجت ....أيام ما كنا نملك نقول لأ مكنش فيه مدافع على أرضنا غير مدافع الانجليز ومع ذلك كنا نقدر نقول لأ وبرضوا مش هننسي إن دبباتنا احنا وقفت وصورنا عليها أطفلنا وهى بتحمى ظهرنا لما قلنا لأ ..اعذرونى أرجوكم أنا مضطر الآن أن أقول نعم أختم لكم بالعشرة أنى بقول نعم .....نعم نعم نعم نعم نعم بس سيبوا ليى صفحتى والأربع خمس ليكات التى أحصل عليها ممن يعطفون على بسبب شيخوختى ًا فأنا مصاب بالربو ورجلى والقبر وزى مبيقول المثل البلدى اقل من انى أسخن مطرحى

 

اتفرج يا سلام على السياسة فى مصر

إذا كان يهمك معرفة ما يدور فى كواليس السياسة فى بلدك إذا كان يهمك ما يجرى فى مطبخها النتن أقدم لك الجلقة الرابعة من مذكرات الفريق محمد صادق رئيس اركان حرب القوات المسلحة فى 71 ستلاحظ أن ينافس أجعصها فيلم من أفلام الأكشن وهتلاحظ أيضا ان س يدعى انه فعل ما فعل من أجل مصر وان ص فعل عكس ما فعله س أيضا من أجل مصر وابق لاحظ وحشية الصراع على السلطة ومتنساش تسأل نغسك هل حدث شيئ مماثل فى 25 يناير 2011 وهو ما سوف نعرفه فى 2100 كمان ابق اسأل نفسك مين يا ترى اللى صرح بنشر الغسيل الوسخ ده الأيام دى ولصالح مين خاصة ان المذكرات دى كانت ممنوعة من النشر . منشور بالأهرام عدد الثلاثاء 25 فبراير 2019
كان الرئيس السادات خلال أبريل ومايو 1971 فى حالة تشتت وخوف لا يعلم ماذا يفعل، وكان يرى كل يوم الحلقة تضيق من حوله ولا نصير له، ولم تكن لديه أية معلومات عن حقيقة ما يدبر له، فالرقابة على تحركاته وتصرفاته مستمرة من مجموعة فوزى، ولم يبق معه إلا الأستاذ محمد حسنين هيكل والدكتور محمود فوزى والمهندس عزيز صدقى.

الرئيس السادات وبصحبته الفريق صادق
رأيت بعد تفكير عميق أنه لابد من رسالة إلى الأستاذ محمد حسنين هيكل تنير له الطريق وتجعله على بينة من الموقف. لاحظت أن مجموعة فوزى تكن له حقدا شديدا لوقوفه بجانب السادات وتبنيه سياسة إعلامية تخدم سياسة السادات فاعتبروه عقبة يجب أن تزول ولم تكن هذه الجماعة تتورع عن أى شيء فى سبيل تحقيق أهدافها، مما جعلنى أتخذ قرارى بتحذير هيكل سرا.

رسالة للرئيس عبر هيكل

لم أجد أفضل من الاستعانة بالصحفى الأستاذ عبده مباشر لأداء هذا الدور، فقد كنت أثق فيه وفى وطنيته وشجاعته، ولا أنسى أنه المدنى والصحفى الوحيد الذى اختار بإرادته التطوع للقتال خلف خطوط العدو فى سيناء تحت قيادة البطل إبراهيم الرفاعى.

وكانت كل تقارير العمليات تشيد بشجاعته وكفاءته وروحه المعنوية العالية وقدرته على الكتمان. ولم يكن اختيارى للأستاذ عبده مباشر ليلفت نظر أحد فهو يتردد على القيادة العامة باستمرار ويلتقى بأغلب القادة وما دام يعمل بجريدة الأهرام، فمن الطبيعى أن يلتقى برئيس التحرير.

ومهدت للأمر بأن طلبت من عبده مباشر أن ينقل عدة رسائل شفوية لرئيس تحرير الأهرام تتعلق بالعمل وحين حانت اللحظة المواتية طلبت منه أن ينقل رسالة إلى الأستاذ هيكل وكنت متأكدا أن هذه الرسالة ستصل بأمانة إلى رئيس الجمهورية لكى توضح موقف القوات المسلحة التى تعى دورها تماما والمؤهلة لأداء هذا الدور، وهكذا وصلت الرسالة إلى هيكل فى الوقت المناسب لينقل للسادات أن يطمئن لموقف القوات المسلحة.

وبعد أن وصلت الرسالة إلى رئيس الجمهورية اطمأن، وبدأ يعمل للتخلص من بعضهم، واختار أول مايو تاريخ الاحتفال بعيد العمال، ومن فوق المنصة فى احتفال حلوان أعلن تحديه لهم رغم أن الاحتفال كان معدا لإحراجه والضغط عليه.

وبالطبع لم تدر مجموعة فوزى سر هذا التحدى الذى أقدم عليه السادات، وكيف امتلك فجأة قلب الأسد ليلقى بالقفاز فى وجوههم، وقبل أن يفيقوا أقال على صبرى من جميع مناصبه يوم 2 مايو ونشر الخبر فى الصحف.

وبدأ السادات خطوته بالاتصال بالقوات المسلحة فعقد عدة اجتماعات، ولكن ثقة الفريق فوزى فى ولاء مجموعته وأصدقائه قد أعمته عن أن معظم هؤلاء القوم فى الحقيقة فئة من النفعيين المتسلقين وأنهم لا يستطيعون أن يفعلوا شيئا.

ممدوح سالم وزيرا للداخلية

وجاء يوم الخميس 13 مايو اليوم الحاسم فى صراع السلطة بين رئيس الجمهورية وجماعة فوزى. فى هذا اليوم كان مقررا أن يتوجه رئيس الجمهورية للاحتفال فى مديرية التحرير، ولكنه اعتذر عن عدم الذهاب وشاع فى هذا الوقت أنه كانت هناك محاولة لاغتياله ولم أتأكد من صدق هذه المعلومة.

وظهر يوم 13 مايو اتصل بى الفريق فوزى وهو منفعل بصورة غير طبيعية، وأخبرنى أن الرئيس أقال شعراوى جمعة، وفى نهاية المكالمة قال إنه سيتصل بى بعد ذلك ليخبرنى بما يستجد فى الموضوع.

وفى نحو الساعة الثانية ظهرا طلب منى أن ألقاه فى مكتبه بمبنى الوزارة، وعندما دخلت مكتبه وجدت شعراوى جمعة، وعددا من أعضاء الجماعة أصدقاء فوزى.

وتحدث فوزى عن إقالة الرئيس لشعراوى جمعة وتعيينه ضابط شرطة برتبة لواء يدعى ممدوح سالم ليحل محله فى وزارة الداخلية، وقال إنهم هم الذين وضعوا السادات على الكرسى ليحكم مصر، وأنهم وضعوه رغم ماضيه ورغم كل ما سجل عليه هو وأسرته فى الملفات.

رددت عليه قائلا إن ممدوح سالم ضابط شرطة ممتاز، ومن أوثق الناس صلة بسامى شرف، ويعتبر من أكبر ضباط الشرطة ولاء له، ومن قيادات التنظيم السرى لسامى شرف، وحاولت تهدئتهم.

ولما سألت عن سامى شرف قالوا إنه فى مقابلة مع رئيس الجمهورية وسيحضر حالا. وبعد فترة حضر سامى شرف وكان متأثرا جدا، نتيجة لموقف رئيس الجمهورية الذى اعتبره غدرا به. وحاولت أن أوضح لهم أن رئيس الدولة سواء كانوا هم الذين أتوا به أم لا فهو الرئيس ومن حقه أن يقيل من يشاء من وزرائه بل له أن يقيل الوزارة بأكملها.

ووجهت حديثى إلى شعراوى جمعة للتخفيف عنه قائلا: احمد الله أنك أعفيت من هذه المهمة الثقيلة واقترحت عليه أن يطلب ممدوح سالم تليفونيا لتهنئته بالمنصب وليتمنى له التوفيق، وأجرى فعلا المكالمة واستمر الحديث بينى وبين الحاضرين.

تسجيلات للضغط والابتزاز

كان الجميع ثائرون، واعتبروا أن ما جرى غدرا بواحد منهم، وهم الذين كانوا السبب فى وجود السادات فى مقعد الرئيس. ولاحظت أن شعراوى جمعة شديد الاضطراب وعندما سألته علمت أنه حاول الاتصال باللواء حسن طلعت مدير المباحث العامة ليطلب منه إعدام بعض الوثائق وكل أشرطة التسجيل التى يحتفظ بها والأوراق التى تتضمن كل الأحاديث والحوارات المسجلة على هذه الأشرطة بعد أن علم بإقالته واتجاه نية السادات لتعيين ممدوح سالم وزيرا للداخلية إلا أن اللواء طلعت أخبره أن مجموعة أفراد من رئاسة الجمهورية قد حضرت إلى الوزارة حاملة تعليمات من رئيس الجمهورية للسيطرة على الوزارة إلى أن يتسلم مسئولياتها وزير الداخلية الجديد. وبعد أن اكتشف أفراد هذه المجموعة وجود الأشرطة المسجلة ونصوصها المكتوبة، اتصل قائدهم بالرئيس الذى أمر بالتحفظ عليها. وأسقط فى يد شعراوى، وعندما علم الجميع بما جرى أصابهم الفزع من انكشاف أمر هذه الأشرطة.

وكان معروفا أن أجهزة كثيرة تأمر بالتنصت على المكالمات الهاتفية ومنها وزارة الداخلية دون حاجة إلى إذن السلطة القضائية، وبالممارسة وعدم وجود أى نوع من الرقابة أو المساءلة، اتسع نطاق عمليات التنصت، بل تحولت فى أحيان كثيرة إلى محاولة الوصول إلى تسجيلات تصلح للضغط والابتزاز.

وقد كشفت الأحداث فيما بعد أن الجميع كانوا يقومون بتسجيل المكالمات التليفونية للجميع، فلم ينج تليفون مسئول من الرقابة بما فى ذلك من كانوا يأمرون بتسجيل المكالمات التليفونية.

ومن هذه التسجيلات اكتشف السادات واكتشفت معه أن أيا من هذه المجموعة لم يكن يثق بالآخر، فالكل أخضعوا باقى الفريق الآخر لعمليات التسجيل، أى أن الكل كان مكشوفا أمام الكل، وكان الموقف شائنا.

استقالات جماعية للوزراء

لاحظت طوال الوقت أن الفريق أول فوزى يدفع المجموعة نحو إجراء مشترك لمواجهة تصرف الرئيس وكان يشاركه فى هذا الاتجاه سامى شرف. فتدخلت للمرة الثانية، وقلت إن هذا خطأ، وأى قرارات أو خطوات ستقدمون عليها وأنتم فى مثل هذه الحالة من الانفعال، ستكون خاطئة وأنا أرى ان تعودوا إلى منازلكم الآن لتهدأوا قليلا، ونصحت شعراوى بالسفر إلى الإسكندرية للابتعاد عن هذا الجو وليستريح من عناء العمل المستمر، وأن من حقه أن يحصل ولو على إجازة قصيرة، ولما وافقوا على العودة إلى منازلهم حرصت على أن أصحبهم إلى سياراتهم الخاصة حتى باب الوزارة لأتأكد من مغادرتهم مبنى الوزارة.

الفريق أول محمد فوزى
وتمنيت أن يستجيبوا لنصيحتى لهم بالهدوء وأن يكتفوا من هذه المعركة بما حدث، وظللت بمكتبى أراجع إجراءات السيطرة على القوات المسلحة، ثم ذهبت إلى منزلى، وأثناء وجودى بالمنزل سمعت نبأ الاستقالات الجماعية للوزراء والمسئولين من إذاعة القاهرة وكان ذلك خطأ غبيا.

عدت فورا إلى مكتبى لمواجهة أية محاولات، ومن هناك تحدثت لأول مرة تليفونيا مع رئيس الجمهورية، وقلت له إن القوات المسلحة خارج هذا الصراع وإنها لا تكن أى ولاء إلا للسلطة الشرعية ولمصر وأن عليه أن يتصرف وهو على يقين من ذلك، فرد قائلا:«أنا كنت أبحث عنك وعاوزك تيجى دلوقت لتحلف اليمين كوزير للحربية»، فأوضحت له أننى لا أستطيع أن أترك مكانى حاليا فى القيادة لأن الموقف لا يسمح بذلك، وعندما أطمئن إلى استتباب الوضع سآتى إليه.

وبعد نحو ساعة، اتصل بى أنور السادات مرة أخرى وسألنى لماذا لم أحضر لأحلف اليمين، فقلت له إننى مازلت فى حاجة إلى بعض الوقت، فسألنى عما إذا كان فى إمكانه تحريك دبابات من الحرس الجمهورى إلى سراى القبة، فاعتذرت لأننى سبق أن أبلغت قائد الحرس الجمهورى الفريق الليثى ناصف بعدم تحريك أى قوات أو أفراد أو مدرعات من أماكنها، وتعهدت له بأننى أضمن له أمنه وأن أوفر له الحراسة المطلوبة، وأنه لا حاجة لأى عسكرى زيادة عن الحراسة الموجودة. فسألنى ولماذا لا أوافق على تحريك هذه الدبابات تحت إشرافى، فأوضحت له أننى لا أستطيع تعديل خططى حاليا، وأن أى قوات ستتحرك ستعتبر خارجة عن السيطرة وستواجه بقوة، فاقتنع وقال إنه ينتظرنى.

إنهاء اجتماع الوزير المستقيل

اتصلت بقادة الأفرع الرئيسية للقوات المسلحة، وقادة الجيوش وقائد المنطقة المركزية، ومديرى الإدارات وطلبت منهم البقاء فى أماكنهم وعدم إطاعة أى أوامر من أى شخص إلا إذا كانت صادرة منى شخصيا.

وكررت لهم أوامرى بعدم إجراء أى تحركات إلا بعد تأكيدها والاتصال بى تليفونيا. وطلبت من المجموعة 39 قتال التى يقودها العميد إبراهيم الرفاعى أن تؤمن وزارة الحربية ومبنى القيادة العامة.

وطلبت من القوات التى سبق أن خصصتها للتدخل ضد الحرس الجمهورى أن تكون مستعدة برغم علمى بأن الليثى ناصف قد اختار الوقوف على الحياد، ثم انضم إلى رئيس الجمهورية فى آخر وقت، إلا أن حرصى على عدم ترك أية ثغرات أو أى شىء للمصادفة دفعنى إلى ذلك. كما طلبت من عدد من مجموعات المخابرات الحربية أن تكون مستعدة لتنفيذ أى أوامر لاعتقال أى شخص يخرج عن التعليمات.

ولما كان الفريق أول محمد فوزى ما زال موجودا بمكتبه ويعقد اجتماعا مع مجموعة من القادة ومديرى الإدارات، فقد رأيت أنه من الضرورى إنهاء هذا الموقف وحسمه خاصة وقد تمكنت من السيطرة على موقف القوات المسلحة.

صعدت إلى مكتب الوزير دون حراسة أو سلاح، بالرغم من أن المجتمعين يناقشون خطة تحرك عسكرى، ودور كل منهم فى هذا التحرك، بعد أن تأكد فوزى أننى لم أنفذ الأمر الذى أصدره لى.

وأصيب مدير مكتب الوزير بالدهشة وهو يرانى أدخل مكتب الوزير متجاوزا الحراسة الموجودة على بابه. وساد الصمت الجميع، وتجاوزتهم بعد تحية قصيرة لأتوجه بالخطاب للوزير مباشرة، وسألته عن سر وجوده بالمكتب الآن وبعد أن تقدم باستقالته؟

وقبل أن يجيب طلبت منه أن يعود إلى منزله، فهو لم يعد وزيرا وليس من حقه أن يبقى فى هذا المكتب أو يعقد اجتماعا عسكريا.

وسألت الحاضرين، ألم تسمعوا بنبأ استقالة سيادة الوزير؟ وإذا كنتم سمعتم، فلماذا لبيتم دعوته لعقد اجتماع؟ هل تتآمرون على مصر؟ هل تظنون أنكم قادرون على قلب نظام الحكم؟

وبحسم ووضوح أمرتهم بمغادرة مبنى الوزارة فورا، وأن يعودوا إلى منازلهم مباشرة. وفعلا لملم الفريق أول فوزى بعض أوراقه وخرج عائدا إلى منزله. وخرجت من خلفه سيارة مراقبة لتتأكد من عودته لمنزله. أما القادة فقد خرجوا بعد خروج الوزير مباشرة.

دور عبدالخبير وعمران

بعد ذلك اتصلت ثانية بالرئيس السادات وأخبرته أن يطمئن تماما إلى وضع القوات المسلحة، فطلب ثانية أن أذهب لحلف اليمين، فأكدت له أننى لا أستطيع أن أترك مكانى فى الوقت الراهن.

وللتاريخ فإن دور كل من اللواء على عبدالخبير قائد المنطقة المركزية والعميد عمران قائد الفرقة السادسة الميكانيكية وقائد اللواء 25 مدرع مستقل الذى كان يعسكر خلف مدينة نصر مباشرة قد ساعد على استقرار الأوضاع ونجاح خطة تأمين القوات المسلحة وإنقاذ مصر من مغبة صراع السلطة. ولم أذهب للقاء الرئيس السادات إلا منتصف الليل وبعد أن تأكدت من استقرار الأوضاع أى بعد ما يقرب من خمس ساعات من دعوته لى للحضور لحلف اليمين.

وعندما ذهبت إلى منزل الرئيس وجدت الدكتور محمود فوزى رحمه الله والدكتور عزيز صدقى وزير الصناعة وقتذاك والأستاذ محمد حسنين هيكل.

استقبلنى الرئيس السادات فاتحا ذراعيه محييا مطريا كل ما قمت به، موضحا أن تدخلى جاء فى الوقت المناسب لإنقاذ مصر وإنقاذه شخصيا وعائلته من كارثة محققة. فأجبته بأننى لم أفعل له شيئا وأن كل ما فعلته كان من أجل مصر أولا، ورجوته أن يعفينى من منصب وزير الحربية وأن أبقى رئيسا للأركان لإدارة المعركة قريبا مع العدو، ولكنه أصر وأمر بترقيتى إلى رتبة فريق أول.

وطوال الأيام التى تلت ذلك لم يتوقف عن الإشادة بى وبالدور الذى قمت به إلا أننى كنت مقتنعا بأن ما فعلته كان لصالح مصر ولصالح القوات المسلحة، واستمر رئيس الجمهورية فى كل احتفال وكل خطاب يلقيه خاصة فى القوات المسلحة أو مجلس الشعب فى الإشادة بى وبالدور الذى قمت به لإنقاذ مصر مع تأكيده بأن التاريخ سيشهد بأنى قمت بهذا «العمل النبيل» من تلقاء نفسى دون أن يطلبه أحد منى حسب قوله.

وثيقة إدانة بالغة الخطورة

ويبقى سؤال مهم: لماذا لم أقدم الوثيقة التى أعطاها لى الفريق فوزى بخط يده إلى رئيس الجمهورية، وخاصة بعد أن تم إلقاء القبض على فوزى وزملائه وتقرر تقديمهم للمحاكمة؟

وللحقيقة أننى لم أكن أسعى لإلحاق الأذى بالفريق فوزى، أو أى من أعضاء جماعته فبعضهم كنت ومازلت مقتنعا بوطنيته وإخلاصه، وأنهم إذا كانوا قد خاضوا صراعا على السلطة مع رئيس الجمهورية لاختلاف وجهات نظرهم فذلك ما رأوه.. وأننى إذا كنت قد اتخذت موقفا ضدهم إلا أنه فى واقع الأمر لم يكن إلا لتجنيب القوات المسلحة هذه الصراعات.

فلم أتخذ موقفى لأكون مع رئيس الجمهورية أو ضد هذا الفريق وإنما اتخذت قرارى بعيدا عن هذا المنهج، وكنت مع ما هدانى الله إليه لصالح مصر والقوات المسلحة.

وبالتالى احتفظت بالوثيقة معى لإدراكى أنها وثيقة إدانة بالغة الخطورة قد تؤدى إلى الحكم بإعدام البعض منهم وتشديد العقوبة على البعض الآخر. وكنت أكره أن أكون سببا فى أن يقوم السادات بتصفية دموية لأعدائه.

وبالنسبة للفريق فوزى، فقد أمضى مدة سجنه فى ميس أطباء مستشفى الحلمية العسكرى وكانت لديه جميع وسائل الراحة، وكانت عائلته تزوره يوميا وعندما أرسل لى الفريق فوزى الفريق طبيب رفاعى كامل يطلب منى زيارته، ذهبت إليه فى نفس اليوم، وكان طلب فوزى الوحيد أن ينقل إلى مستشفى المعادى، وفعلا تم ذلك فى اليوم التالى وبسيارتى الخاصة وبقى فى مستشفى المعادى.

وبعد إقالتى أرسل فوزى التماسا واستعطافا إلى الرئيس السادات يقول فيه إننى السبب فى سوء التفاهم الذى حدث بينهما فأفرج عنه السادات وأفاض عليه من خيراته. وقد تسببت معاملتى للفريق فوزى فى إغضاب أنور السادات واتهامى بأننى أجامل أعداءه. وقد طلب منى أنور السادات بعد أحداث 15 مايو أن أستغنى عن خدمات أصدقاء ومجموعة الفريق فوزى وكنت أعرفهم فردا فردا ومع ذلك رفضت ولم يخرج ضابط واحد من القوات المسلحة.

حمدا لله وشكرا لله .. فقد حققت جميع أهدافى كما خططت لها، فلم تحدث تصفية دموية لأنصار فوزى. وأزحت الخطر عن الوطن والجيش دون أن أدفع الأمور إلى صراع دموى لا يعلم مداه إلا الله.. وأعددنا الجيش للمعركة إعدادا سليما كانت نتيجته والحمد لله الاقتحام العظيم الذى حققته القوات المسلحة يوم 6 أكتوبر على مشهد من العالم كله.

 

لتعرف أسرار هزيمة 67 ومن دبرها

هاكم نص الحلقة الثالثة من مذكرات الفريق محمد صادق المنشورة أمس السبت بجريدة الأهرام أقدمها مصداقًا لما ورد بكتابى " براثن الوعى " المستمدة معلوماته من مذكرات الفريق الجمسي والرئيس أنو السادات 

قصة الحشود «الوهمية»

وانفجر الموقف فجأة بعد أن أبلغ الروس عبدالناصر بأخبار الحشود الإسرائيلية على الحدود السورية، وعندما أمرت عناصر مختارة ومدربة بالتوجه إلى الحدود الإسرائيلية السورية عبر إسرائيل للتأكد من صحة هذه المعلومات، كنت أتوقع النتيجة التى عادوا بها، وهى أنه لا صحة لهذه المعلومات.

وقد كتبت تقريرا بهذه النتيجة لكل من المشير عامر وشمس بدران وزير الحربية، كما أطلعت عبدالناصر على هذه المعلومات.

وبعد عودة الفريق أول فوزى رئيس الأركان من سوريا وتأكده من عدم وجود أى حشود إسرائيلية على الحدود السورية، كنت أتوقع أن تخف درجة حرارة الأزمة، ولكن القيادة المصرية واصلت اندفاعها على طريق التصاعد بالأزمة، ودونما اعتبار لتوزع القوات المسلحة بين مصر واليمن وما هو قائم من عدم اتزان استراتيجى فى أوضاع القوات المسلحة أو للخطة الدفاعية «قاهر» التى صدق عليها عبد الناصر فى نوفمبر 1966 بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة أو حتى للظروف الدولية والإقليمية والمحلية غير المواتية.

كان من الضرورى أن تراعى القيادة السياسية احتمال إقدام إسرائيل على خوض تجربة الحرب خاصة وهى تعلم يقينا حقيقة الأوضاع المصرية المناسبة لها تماما، وتأكدها أنها لن تجد ظروفا دولية أو إقليمية أفضل من تلك الظروف لتحقيق انتصار عسكرى وسياسى سهل على القوات المصرية والنظام السياسى المصرى.

وأعتقد أن عبدالناصر بكل خبرته وسعة أفقه وذكائه لم يكن لتغيب عنه هذه الحقائق، ولم يكن بغافل عن أن إغلاق خليج العقبة فى وجه الملاحة الإسرائيلية إنما يمثل إعلانا للحرب على إسرائيل بجانب كونه تغييرا لأمر واقع بالقوة، وهو مالا يمكن أن تقبل به إسرائيل بسهولة. وستظل علامات الاستفهام المحيطة بهذه الفترة بدون إجابات مقنعة.

الفريق أول محمد صادق

أسباب تدهور الأوضاع

بعد أن أصدر عبدالناصر أمرا بحشد القوات المسلحة فى سيناء اعتبارا من يوم 15 مايو 1967 أقدم على خطوة رئيسية تالية ساعدت على تدهور الأوضاع فيما بعد وقادت إلى اندلاع معركة يونيو، فقد طلب سحب قوات الطوارئ الدولية المتمركزة على حدودنا الشرقية فقط.

وكان بعض العرب «الثوريون والرجعيون» يهاجمون عبدالناصر من هذه النقطة ويتهمونه بأنه يحتمى خلف قوات الطوارئ الدولية، كما أن المشير عامر خلال زيارته لباكستان أرسل برقية مفتوحة يطلب فيها من عبدالناصر سحب قوات الطوارئ الدولية.

ورأى عبدالناصر أن بدء عملية الحشد العسكرى فرصة ملائمة لسحب هذه القوات، ولإنجاز هذه المهمة أرسل الفريق فوزى رئيس الأركان خطابا إلى الجنرال «ريكى» قائد قوات الطوارئ الدولية لسحب قواته يوم 16 مايو أى فى اليوم التالى لعملية الحشد.

وكنت وأنا أبدى اعتراضى على الحشد العسكرى فى ظل هذه الظروف لا أجد من بين القادة من يدعم موقفى. لقد وجدت من يعترض على انتظار الضربة الأولى وفى مقدمتهم الفريق أول محمد صدقى محمود قائد القوات الجوية، ولكن أحدا لم يعترض على أمر الحشد العسكرى فى سيناء.

انتظار الضربة الإسرائيلية

وفى اجتماع القادة برئاسة عبدالناصر يوم 2 يونيو 1967قدمت تقريرا مزودا بخريطة تبين توزيع القوات الإسرائيلية، وجاء فيه أن العدو يستطيع بدء الهجوم فجر 3 يونيو أى بعد ساعات، أو فجر 4 يونيو على الأكثر.

وعلق عبدالناصر بصوت مسموع وهو يقرأ التقرير قائلا: المرجح أن إسرائيل ستهجم 5 يونيو ، ثم طالب بتقوية الدفاعات المصرية فى منطقة رفح لمواجهة تجمع ضخم للعدو عند مثلث رفح العريش أبوعجيلة.

وفى هذا الاجتماع طالب عبدالناصر بانتظار الضربة الأولى، بعدها توجه القوات المسلحة ضربتها، وقال إنه لا يريد أن يخاطر بالاصطدام مع الولايات المتحدة إذا ما قامت مصر بالضربة الأولى.

وقد اعترض صدقى محمود على انتظار الضربة الجوية الإسرائيلية الأولى، ليقوم وقواته بالضربة الثانية، ودار نقاش حول نتائج هذه الضربة الإسرائيلية، وأن مصر والقوات المسلحة والقوات الجوية لن تتحمل هذه الضربة.

وفى ذلك الوقت كانت القوات الجوية المصرية تعانى قلة المطارات وتخلف طائراتها بمسافات كبيرة عن طائرات العدو، وتخلف تسليحها أيضا، بالإضافة إلى قلة عدد الطيارين والأطقم المعاونة من المهندسين والفنيين. وكانت هذه الصورة شديدة الوضوح أمام جميع القادة خاصة قادة القوات الجوية، فقد دارت معركتان جويتان فى ديسمبر عام 1966 بين مقاتلات مصرية ومقاتلات إسرائيلية، ولم يذع عن المعركتين أى شىء، وظلتا من الأسرار بالنسبة للمصريين على الأقل.

فى المعركة الأولى قاد المقاتلات المصرية طيارون مصريون، أما فى الثانية فقد قاد المقاتلات طيارون سوفيت، وأسفرت المعركتان عن خسارة كاملة للطيارين والطائرات، وأوضحت هذه النتيجة تفوق الطيارين الإسرائيليين، وتفوق المقاتلات الإسرائيلية، وكان هناك احتمال أن يكون الذين قادوا المقاتلات الإسرائيلية من الطيارين الأمريكيين المدربين جيدا، وأثبتت هاتان المعركتان الجويتان أن القوات الجوية لا تمتلك عناصر السيطرة الجوية فى تلك الفترة.

وكان على القوات الجوية وهى فى تلك الحالة أن تتحمل نتيجة الضربة الأولى، وأن تكون مستعدة لتوجيه الضربة الثانية..

أما الدفاع الجوى، وكان تابعا لقيادة القوات الجوية فكان بعيدا عن أن يكون مستعدا أو مؤهلا لمواجهة القوات الجوية الإسرائيلية خلال توجيه ضربتها الأولى، وبالرغم من ذلك فقد بدأت الغارات الجوية الإسرائيلية ونيران الدفاع الجوى مقيدة بسبب وجود طائرة المشير عامر فى الجو، حيث توجه إلى سيناء للاجتماع بالقادة وتفقد القوات فى نفس توقيت اندلاع النيران، كما كانت هناك طائرة أخرى تقل السيد حسين الشافعى ورئيس وزراء العراق والوفد المرافق فى طريقهم لزيارة الجبهة.

ومعنى النيران مقيدة، أنها تلقت أمرا بعدم إطلاق نيران مدافعها على الطائرات أو الأهداف الموجودة بالجو، ولتلك الأسباب العديدة عندما نفذت إسرائيل ضربتها الجوية صباح يوم 5 يونيو كانت النتيجة الحتمية إنهيار وتدمير قواتنا الجوية على الأرض.

ولم يتأخر الهجوم البرى، وكان يمكن للقوات الموجودة بسيناء أن تصمد وأن تقاتل بعد أن فقدت الغطاء الجوى، وأن تلحق بالقوات الإسرائيلية المهاجمة قدرا كبيرا وموجعا من الخسائر، وأن تحول بينها وبين تحقيق هذا الانتصار السهل إذا ظلت فى مواقعها ولم يصدر لها أمر بالانسحاب .

عامر لصادق : امسك أعصابك

بعد سماعى خبر الانسحاب بهذا المستوى، اتصلت تليفونيا بالمشير عامر مستفسرا عن الحقيقة، فأبلغنى أنه أصدر فعلا أمر انسحاب، فقلت له إنه انسحاب له خطورته على الرجال، وإن الجيش بهذا الأمر قد ضاع، وإن القوات بالجبهة ستواجه كارثة حتمية ومروعة.

وظل المشير صامتا، فسألته، وأين هو الخط الذى ستنسحب إليه القوات وتتمسك به ؟

ولم يقل المشير أكثر من «امسك أعصابك .. إمسك أعصابك»، ثم قال إننى أعطيت أوامر لبعض الوحدات والتشكيلات لتقوم بهجوم مضاد، والفرقة رقم كذا ستبدأ هجوما مضادا، فسألته عما اذا كان يعلم أن قائد تلك الفرقة موجود فى الإسماعيلية الآن، وأنه قد وصل إليها منذ ساعات ؟ وعاد المشير ليطلب منى أن أمسك أعصابى ....

أصدر المشير أمرا بالانسحاب لأكثر من 400كتيبة، وبعد أن وضعت سماعة التليفون اتصل بى المشير عامر بعد فترة وسألنى هل هناك إمكانية لإيقاف الانسحاب.....؟

فأجبته: إننى شخصيا لا أستطيع أن أفعل شيئا، لأن القادة لا يأخذون أوامرهم منى أو من مكاتب ادارة المخابرات الحربية الأمامية. وطلبت منه أن يحاول عن طريق هيئة العمليات أو قادة سيناء المحليين لكى يوقفوا الانسحاب أو أن تتمسك القوات بخط المضايق على الأقل.

واستدعى المشير عامر عددا من القادة ورئيس هيئة العمليات وكان الوقت قد تأخر لمعالجة الموقف كانت الصورة شديدة القتامة، فالطوابير الإسرائيلية المدرعة تتسابق للوصول إلى مداخل المضايق الثلاثة من اتجاه الشرق، وطابور آخر يتقدم على الطريق الساحلى ليغلق المضايق الثلاثة من ناحية الغرب. كانت الخطة شديدة الوضوح، فالطوابير الثلاثة تقوم بدور المطرقة، أما الطابور المتقدم على الطريق الساحلى فسيقوم بدور السندان، وما بين المطرقة والسندان خططوا للإجهاز على القوات الموجودة بالجبهة.

وكانت القوات الجوية الإسرائيلية تمتلك السيطرة والسيادة التامة فوق مسرح العمليات وعلى الجانب الآخر كان الانهيار أوضح ما يكون خاصة بالمستويات القيادية، وقد بدأ الأمر بالتخبط وعدم وضوح الهدف، وتداخلت خطوط القيادتين السياسية والعسكرية، فالقيادة السياسية اندفعت على طريق الحرب بالرغم من كل التحذيرات، كما كانت صاحبة قرار إغلاق خليج العقبة، بعد أن طلبت وأصرت على سحب قوات الطوارئ الدولية، ورغم علمها أن هذا القرار يعنى الحرب، ثم واصلت التدخل للخروج على الخطة الدفاعية «قاهر» بإصرارها على تحريك قوات للدفاع عن غزة شمالا والكونتيلا جنوبا، مما أدى إلى تغيير أوضاع القوات الدفاعية بالجبهة، وفرض إجراء تحركات طوال الفترة التى سبقت الحرب، والأخطر أن معظم المستويات القيادية كانت تعمل وكأن الأمر مجرد مظاهرة عسكرية.

وتأكد للقادة المجتمعين برئاسة المشير صعوبة إلغاء أمر الانسحاب أو حتى وقف انسحاب بعض القوات.

عرقلة تقدم المطرقة

وأمام تقدم القوات الإسرائيلية على الساحل الشمالى، طلبت من القيادة العامة أن تأمر بتحريك قوات بسرعة إلى الإسماعيلية ولو كانت عدة سرايا لايقاف تقدم هذه القوات لبعض الوقت وبما يسمح لقواتنا أو لجزء منها بإتمام انسحابها قبل أن تصل القوة المتقدمة لغلق المضايق من ناحية القناة ولتشكل السندان الذى خططت له القيادة الإسرائيلية حتى تواصل قوات المطرقة أداء دورها ولكى تضع القوات المنسحبة بين المطرقة والسندان.

وتمكنت من توفير عدد من العربات المدرعة الموجودة للاستطلاع وجمعت قوة صغيرة من الضباط والصف والجنود تحت قيادة البطل إبراهيم الرفاعى، وتحركت هذه القوة من القاهرة إلى الإسماعيلية لتعبر القناة تحت ظروف الانسحاب ثم تتقدم على الطريق الساحلى باتجاه الشمال. وأبلغت المشير عامر بأننى أرسلت هذه القوة وأننى حددت لها المهمة، أن توقف تقدم العدو على المحور الساحلى لعدة ساعات. وفعلا اشتبكت القوة مع قوات العدو، وقد نفذ الرفاعى المهمة بنجاح، وعرقل تقدم القوات الإسرائيلية لمدة خمس ساعات .

وفى مساء نفس اليوم 7 يونيو ، شكل الرائد محمود عادل قائد ثان مكتب مخابرات العريش بالتنسيق معى، قوة من المتطوعين الفلسطينيين واثنين من الضباط المصريين، أثناء وجوده بمكتب مخابرات الإسماعيلية، وعاد بهذه القوة إلى سيناء لعرقلة تقدم القوات الإسرائيلية على الطريق الساحلي. وقاموا بزرع ألغام على الطريق الاسفلتى فى عدة مناطق، بحيث يصعب على القوات المتقدمة تجنبها. وانطلقت صواريخ (شميل) المضادة للدبابات لتصيب عددا كبيراً منها مما أدى إلى توقفها. وبذلك تم إتاحة الوقت لانسحاب آلاف من القوات إلى غرب القناة.

إعداد خطاب التنحى

وكان الإعلان عن قبول وقف إطلاق النار يفتح الباب أمام الرأى العام لمعرفة بعض الحقيقة عن هذه الكارثة، حيث كان المواطنون فى مصر يعيشون أوهاما جميلة عن انتصارات عسكرية حققتها القوات المسلحة وخسائر عسكرية إسرائيلية كبيرة من الطائرات، فقد ظلت وسائل الاعلام تتابع إعلان هذه الأنباء السعيدة التى لا علاقة لها بالواقع.

وفى نفس الوقت الذى أمر فيه عبدالناصر بتأمين الجبهة الداخلية والقوات المسلحة، طلب من الأستاذ هيكل رئيس تحرير «الأهرام» كتابة خطاب التنحى الذى كان من المقرر أن يلقيه مساء التاسع من يونيو بعد إعلان قبول مصر وقف إطلاق النار بيوم واحد.

وكان واضحا من تصرفات عبدالناصر ومن الإجراءات التى أمر باتخاذها، عزمه على إنهاء هذه الازدواجية فى السلطة التى استمرت طويلا أيا كانت الوسيلة أو الطريقة التى تحقق له ذلك. وأعتقد أن الرئيس عبدالناصر كان بحاجة لتبرير هذه النكسة بقوله للرأى العام المصرى على الأقل إن مصر لم تكن تواجه إسرائيل وحدها، بل كانت تواجه قوى عظمى، لذا كانت الهزيمة.

ولم تمض 24 ساعة على خطاب التنحى حتى تراجع عبدالناصر عن هذا القرار وهو يحمل تفويضا شعبيا جارفا بالاستمرار. وتابع المشير عامر وشمس بدران ومن معهما ما يجرى من أحداث، وأدرك الجميع مدى مهارة ودهاء عبدالناصر.

كان عبدالناصر والمشير اتفقا على أن يتنحيا سويا ويتيحا الفرصة لقيادة أخرى لكى تجرب حظها، وأن يكون شمس بدران هو الشخصية المناسبة لخلافة عبدالناصر على كرسى الرئاسة، وعاش شمس بدران حلم المنصب وبدأ يستعد له بعد أن أصبح فى متناول يده، إلى أن سمعا الجزء الاخير من الخطاب و فوجئا بالرئيس يعلن تخليه عن السلطة لصالح زكريا محيى الدين، حينها أدركا بعض ما يدبره عبدالناصر 

 

 

معالى ...الرقم القومى / منشور اليوم 29/ 1/ 2019 بصحيفة القاهرة

 

                                     معالى... الرقم القومى

عدت يومها إلى منزلى وكتبت .. لا أصدق، لا أتصور، أنا فى ذهول، هذا ليس نفس الشعب، هذا ليس نفس البلد، الناس جميعًا إنتظمت فى طوابير أطول بكثير مما يتصور أى إنسان .. ليس من أجل رغيف خبز، أو أنبوبة بوتاجاز، أو صرف معاش.. وانما من أجل الاستفتاء على الدستور.

فرحتى لا تقدر، لكن أسفى أيضًا بلاحدود، فأنا يا سادة يا كرام كنت من ملاك  بطاقة الإنتخابات "الوردية"  هذا لونها . لا أحد ممن يحيطون بى يمتلكها، لا زوجتى ولا أبنائي ولا معارفى ولا زملائي ولا جيرانى..لا الطبيب الذى يعالجني ولا المحامى الذى يدافع عنى، كنت أشعر بتفردغير عادى، ودفء قومى أتلذذ به وحدى، أنا "وحيد عصره" املك وثيقة تعطينى الحق فى الذهاب إلى لجنة الانتخابات والادلاء بصوتى  بارادتى أنا، لا ارادة التظام أى نظام، ولم  يفوتنى أبدًا أن أتيه فخرًا بسعادتى وأنا دايخ السبع دوخات بحثًا عن المدرسة التى تقع فيها لجنتى، ثم عن اللجنة التى يوجد بها إسمى، وكلما سألت نفسي عن سبب هذا الفرح العبثى ..تولى شوقى عن قلبى الجوابا " وطنى لو شغلت بالخلد عنه نازعتنى اليه فى الخلد نفسي.

كنت أضرب عرض الحائط بكل ما يشاع عن فبركة الانتخابات والاستفتاءات. ليس ثقة فيمن يديرونها ـ، فربنا وحده  يعلم شعورى نحوهم ـ وانما لامتلاكى عقلية منظمة، تجيد الفرز والتجنيب، أو بالبلدى ألفصل  بين أبو قرش وابو قرشين، نعم،  التصويت فى حد ذاته، وبصرف النظر عن أى نتيجة،  واجب وطنى ودليل رقى، ولا علاقة له بالملوثات التى يعج بها المطبخ القومى، والمأكولات  المسرطنة التى تخرج منه، فهو واقع، تغييره يتجاوز قدرتى كفرد.  

يا لها من أيام مجيدة .. أن تنظر حولك فلا تجد من يؤمن بما تؤمن به، نشوة الزهو تغزونى، تكبر وتكبر، تنفخ وتنفخ، من أنا؟ من أكون؟ أمن السماء نزلت أم من عليا الجنان..؟ هل يمكن أن أكون الا واحدًا من أصحاب الرسالات؟  لم يخف على خطورة الدخول فى حارة كتلك، فعند حد معين من السير قدمًا تطرأ على الاتسان  تغيرات سيكلوجية وفسيولوجية تطال طريقته فى المشي فى الكلام فى اللبس، يغطى رأسه ببريه أم قلنسوة أم يكشفها، لحية طويلة أم سكسوكه؟ الشعر مقصوص أم مرسل؟ ضفيرة واحدة أم بدون ؟وماذا بشأن نبرة الصوت رخيمة ناعمة أم خشنة وزاجرة؟ وماذا عن مستواه، عالى؟ منخفض؟ بين بين؟ تغييرات الوجه، اختيار الألفاظ، الموضوعات، تبتسم هنا أو لا تبتسم؟  تتجهم أو تفرد وجهك؟ يوه يوه ،تغييرات كثيرة قد يخسر الانسان بسببها  شعوره بالسلام  الاجتماعى فى الأسواق والشوارع وربما فى بيته، وقد يقذفه الأولاد بالحجارة، وقد يخسر حياته نفسها . وحصلت .. ففى أثناء الثورة البلشفية ( التحول الشيوعى فى روسيا ) الناس حياتها انقلبت رأسا على عقب، وأصبح لا الراكب راكب ولا الماشى ماشى.. ثورة.. بطالة جوع خراب حيرة فقدان النمط، لكن يقال أنه وضع مؤقت، ومن أجل أهداف سامية، عدالة حرية كرامة كبرياء قومى لا سيد ولا مسود، أسنان مشط يا با، انس، وفى هذا الجو المضطرب المشحون بشتى أنواع الانفعالات، وفى تجمع عشوائى لبعض الناس وبدون دعوة من أحد أو تكليف وقف واحد من هذا الصنف من البشر  ( أصحاب الرسالات ) يخطب فى الناس، يحدثهم عن الأهداف السامية للثورة، مستخدمًا ما فاء الله به عليه من بلاغة، وما حفظ من شعارات طنانة، وقناعات براقة، ور ش على وجه خطابه ـ كما يرش السكر على الكحك ـ ما يملك من غندرة ثقافية ومعرفية وكله محاط بحبكة أيديولوجية، فما كان من الجياع الا أن حملوه ( شيله بيله ) وبكل مقوماته المادية  والمعنوبة والأبديلوجية غطسوه فى برميل مملوء بالمياه، وظل يبقلل ويبقلل ثم عاد يبقلل ويبقلل  إلى أن لحق بالرفيق الأعلى ( راجع رواية دكتور زيفاجوـ بوريس باسترناك ) لذلك كنت أتوخى الحذر، ولا أفعلها إلا إذا كنت متأكدًا مليون فى المائة أنهم (واكلين ) وهذه هى أهمية الثقافة .. تنقذك.. تنفعك وإن كانت لم تنفعنى بمليم مع رؤسائى أو زوجتى، ومع ذلك لا أحد ينكر فضلها على البشرية..... مش يرضو ؟

بحذر شديد وبرفق وحرفية كنت ألقى محاضرة صغيرة محندقة على أسماع غيرى من الناخبين، خاصة وأننى  كمواطن "بُرَم " أعرف  أن معظم شئون بلادى تدار تحت الترابيزة ، ومن ثم قادر على التفرقة بين هذا الذى هو هذا، وهذا الذى هو ذاك، وبالتالى لم يكن يخفى على أنهم يأتون إلى اللجان محمولين فى لوارى  بأمر وترتيبات اللجنة المركزية لهيئة التحرير ( أول القصيدة ) ثم الاتحاد القومى ثم  الاتحاد الاشتراكى ثم الحزب الوطنى ( زرية بعضها من بعض ) ودر بالك هذه الرؤوس  قلت أم كثرت لا دور لها البتة فى النتيجة، فهى ـ أى النتيجة ـ فى درج السيد وزير الداخلية من بدرى، وهى إما 99.9 أو 99.7 أو 90.1 . إذا لماذا كل هذا؟ قد تغبط نفسك وتغمز بعينك على اعتبار انك فاهم اللعبة، والمقصود هو خداع العالم بلقطات تليفزيونية تبث فى الفضائيات وتعلن عن ديمقراطيتنا.. لا انتظر، لا تُغبط، فأولى الأمر والنهى والذى منه عندنا يعرفون أن لا شيئًا من هذا ينطلى على العالم، وبالاخص الاتحاد الأوربى الراعى الرسمى لتخلف العرب، فهم لهم مصادرهم التى يحصلون منها على المعلومات الصحيحة، ربما تستدرك فتقول إذا فالهدف  خداع الشعب وإيهامه أن له دورًا فى حكم بلده؟  لأ  ياسيدى الفاضل،فأولى الأمر والنهى والذى منه  يعرفون أن الشعب المصرى لا يعتمد على الأدلة والبراهين فيما يخص الشأن العام، هو له آليته الخاصة (الفكاكة، الحداقة ) وإياك والغلط كأن تقول جاهل، عشوائي، لا احفظ مركزك، هذه ألفاظ لها  وجاهتها واحترامها، أول هام، الناس لا تلجأ للأدلة والبراهين  إلا أذا كان معدل الفساد فى حدود النسبة المتعارف عليها عالميًا ، أما فى حالة تجاوزه لهذه النسبة، وشيوعه وتواتره على هذ النحو، فيكون من العبث اضاعة الوقت فى البحث عن أدلة أو براهين، ثانى هام ما يسمى بالفكاكة ليس سلوكًا ارتجاليًا أو عشوائيًا، لا انما هو سلوك علمى بنسبة مائة فى المائة، لأنه مؤسس على واحد من أهم أدوات علم المنطق وهو القياس،  طوفان الكذب والتعتيم، والأبيض الذى يتضح أنه أسود، والبمبى الذى يتضح أنه كحلى،  وزخات الوعود برخاء قادم لا يأتى أبدًا، وألوان من الابداع فى مضمار  الخداع السياسى لا تنتهى أبدًا، والنتيجة الجوع، شظف العيش، والتداول السلمى لخيبة الأمل من جيل لجيل. ثالث هام،  الحداقة يا صحبى كلمة مشتقة من حَدَّق أى نظر بتمعن،إذا الحداقة تعنى استخدام التدقيق فى التعرف على حقيقة الشيئ.

إذا ما هو الهدف من انفاق كل هذه الأموال؟ انظر،  النظام من اعتياده على خداعه للشعب ينسي ويخدع نفسه، فيتصور أنه بهذا يمارس وظيفته كدولة تؤمن بالمعاصرة وتفعل  كما يفعلون عملا بالمثل القائل ( اللى يعمل زى الناس ما يغلبش )  ثانيًا، امداد  ما يسمى بالصحف القومية  والاذاعة والتليفزيون أيضًا (القوميتين) بالوثائق اللازمة والاحصائيات المتينة التى تقطع لسان أى معترض من عشاق الكلام، أما عشاق الفعل فيتولى أمرهم زوار الفجر..طبعًا فاكرين.  

كواحد من أصحاب الرسالات أو من تقمصته روح مصطفى كامل وقاسم أمين أو العقاد كنت أوضح لزملائي الناخبين أهمية صندوق الإنتخابات، ودوره الخطير فى تطور الأمم، وأضيف أن الفرق بيننا وبين بلدان مثل إنجلترا واليابان  هو صندوق الإنتخابات، وأقول ياناس لا تستهينوا بالسياسة، فالرغيف الأبيض سياسة، الأسود سياسة، الهواء النقى سياسة، الملوث سياسة، الأكل سياسة، العمل سياسة، الصحة سياسة، الصمت سياسة، الكلام سياسة، والسياسة صندوق إنتخابات، يسمعوننى بنفس الأدب، لكن ولا كلمة، أفرح، فماذا عند التلميذ ليرد به على المعلم الا الصمت، الا المزيد من التوقير "كاد المعلم أن يكون رسولا " أمال  

وأقولها مدوية أنا كمالك للبطاقة الوردية عمرى ما أخفيت عن أحد مقامها العالى وأسرارها ودروبها وسراديبها، بدليل محاولاتى المستمرة لدفع أولادى لمشاركتى هذا المجد، لكن هيهات، الصورة الذهنية التى لى عندهم  أنى كائن غريب الأطوار وربما خرافى ولا يؤخذ كل كلامه على محمل الجد، بعضه فقط، الأمر لا يعنيهم، لا يمكن أن يعنيهم، بلدهم فى واد وهم فى واد آخر، لا يعرفون ما إن كانت بلدهم أم لا، لم تمر عليهم فى المدارس الخاصة، ولا المدرس الخصوصى فتح السيرة، أضمرت إجبارهم، وكان ممكن أن أحقق ما أريد، الأولاد طيبون يحبونى وكل ما يلزمهم التوعية وانا سيد من يوعى، ولى كتاب اسمه " براثن الوعى " متخصص فى حلجة واحدة فقط هى الوعى، لكن المشكلة فى التعقيدات ( النمط المصرى فى السلوك ) وخذوا هذه المعلومة التى أظن أن الكثيرين من القراء لا يعرفونها. البطاقة الانتخابية لا تصدر للمواطن تلقائيًا فور بلوغه الثامنة عشر  ـ كما يقول العقل ـ لا المسألة هى أنه إذا كان يُحب ـ وهو فى الغالب لا يُحب ـ أن يكون له الحق فى التصويت، عليه أن يذهب للقسم التابع له بطاقته لا عمله أو سكنه، لاحظوا الفرق، يعنى بطاقته سوهاج وعمله وسكنه فى شبرا لازم يسافر إلى سوهاج، ويقدم طلبًا على عرض حال دمغه يقول فيه إنه يُحب، لكن الفولة هل يمكنك فعل ذلك عندما تحب؟ الدولة تقول لا  (محافظة لا تؤمن بالحب)  لابد أن يكون ذلك فى شهر ديسمير من كل عام، فات ديسمبر،  تنتظر ديسمبر التالى، وتنسى، وربما تتذكر فى فبراير أو مارس، فتنتظر، وهكذا سنة سنتين، بالنسبة لبطاقتى هذه التى أحدثكم عنها، أخذت خمس سنوات، وفكرت فى مشروعها وأنا فوق الأربعين، والسبب تبكيتى لنفسي ..عيب تكون مثقف وعمال على بطال تقول ( الديمقراطية هى الحل ) وأنت لم  تشارك فى أى انتخابات أو استفتاآت منذ مولدك، وتسأل ما مصلحة النظام فى هذه التعقيدات، أولا هى من الموروثات  يعنى ليست مسئوليته، إذا فالسؤال الأصح لماذا لم يغيرها ؟  لكن من يقول للغولة عينك حمرا؟ ومع ذلك فالاجابة حسب اجتهاداتى، هو يكره الديمقراطية كره العمى، هو والأصولية الدينية بالمناسبة، وكثيرًا ما تحالفا رغم عداوتهما من أجل سحقها، إن حدث ورفعت رأسها، وهكذا كانت مصر .بالطبع قبل  ثورة 25 يناير.

لم يعترينى اليأس ، فأنا إنسان غير عادى، إنسان متميز، " شيمته الصبر " كما يقول أبو فراس الحمدانى فى قصيدته "أراك عصى الدمع"  ومن ثم على أن أنتظر حتى يدركوا كما أدرك، ويعرفوا كما أعرف ، ويستوعبوا  ما أقول أنا وغيرى  فى شكل مقالات وتمثيليات درامية ومحاضرات وعمل وكفاح ومجهود وكلها فى شرح بديهيات لا تستحق كل هذا العناء، ويمكن للناس أن تدركها بنفسها فقط لو تركوهم لشأنهم، أو لو عادوا لعصر ما قبل الراديو والصحف والتليفزيون والنت وكل تلك الأدوات الآثمة، أو التى أسلمتها بعض الأنظمة إلى هذا المصير( بنظام جعلونى مجرمًا ) رغم طهارتها وبراءتها الفنية.

إعتبرتها مشكلة ضمن حزمة المشاكل التى أكتب عنها يوميًا، وأتحدث عنها يوميا مثل خطورة القراع السياسي، آسف، أقصد الصلع السياسي، آسف مرة أخرى قصدى الفراغ السياسي، الإعلام الموجه وآثاره الخطيرة  مستقبليًا والذى يحول المواطن الذى يسلم نفسه له إلى مجرد فردة شراب،  الفشل الإقتصادى، سياسة الإسكان البالغة السوء، كنت بالأمانة أعيش فى بحبوحة من المشاكل، مكان ما تمد يدك تجد مصيبة توجب الحديث والتنديد، فأكتب وأكتب وأكتب، وكلما خرجت منى عبارة قوية حادة معبرة أفرح وأغنى "سلمتها أم حسن"  هى دى اللى فيها الشفا،  وكلما تصورت أن الرسالة وصلت لمستحقيها (كالدعم ) أفرح كما تفرح الدولة، ولم ألاحظ فى غمرة إنفعالى وحماسي وزهوى وفهمى للحداثة وما بعد الحداثة وانحيازى لقصيدة النثر دون التفعيلة  أنى أكتب أكثر وبلدى تتأخر أكثر، وأن هناك علاقة طردية بين تميزى وبين تخلف بلدى، بين "كلمتين وبس" لاحمد بهجت وفؤاد المهندس وبين زيادة العسف التى تمارسه الدولة والترهل الادارى الذى ترفل فيه.

ولكن الآن خلاص وقفت فى الطابور الطويل لأستفتى على الدستور، وحولى كل الذين كنت أكتب لهم، دون أن  أشرف بلقا ئهم، الآن هم هنا، متحمسون مستبشرون  حالمون بعصر جدبد يكون لكلمتهم قيمة، لرأيهم تأثير.

 حفنة من المحاضرات كنت أعددتها وخزنتها فى ذاكرتى لهذه المناسبة السعيدة .. ابدأ خش قل لكن مفاجأة من الحجم الثقيل كانت فى انتظارى، الطوابير تضم ناس تانية، ناس حية،  يتكلمون، كل منهم  معه  محاضرته الخاصة إما صممها بنفسه أو حفظها من مناقشات المقاهى أو التوك شو،  ويريد أن يلقيها على أنا، يريد أن يعلمنى أنا يا خلق هوه ما يجب أن نفعله وما يجب أن نتوقف عن فعله، والأغرب أنهم يتكلمون بلا بطاقة وردية، لا يحملون وثائق، بلا تفويض من أولى الأمر والنهى والذى منه، فقط ما يسمى بالرقم القومى، ذلك الرقم المرطرط على الأرصفة، الذى فى يد كل من هب ودب، رقم أعمى أطرش غبى لا يفرق بين عالم وجاهل غنى وفقير مشهور ونكرة، أشاش يتكون من  14خانة  طب اجعلوا المتعلم 20 والغنى 30  والشهير 40 على أن يظل المهمشين 14 ، ألا يوجد لديكم عقل ؟  تمييز يا أمة لا اله الا الله؟ لكن اللوم كله يقع على عصا سحرية، إسمها ثورة 25 يناير، ألتى أتت لنا بلبن العصفور، صدقوا أو لا تصدقوا ما بأيدينا الآن هو لبن العصفور. من كان يحضر الانتخابات زمان أعداد قليلة ولا تأتى لأنها تريد أن تأتى، ولا تصوت لأنها تريد أن تصوت، وفى قرارة نفسها تؤمن أن كله تحصيل حاصل وما يريدون أن يفعلوه سيفعلوه، صوتنا أو حتى لطمنا سيفعلون ما  يريدون، ولكننا الآن أتينا بارادتنا لنمثل قوة تقول نعم لدستور كتب كما نرجوا، قاعدته المواطنة، قاعدته مصر.

25 مليون مصوت يقولون لهذه المواد  نعم، ألا يعنى أنها ستكون فى حمايتهم؟ جملة جملة وحرفًا حرفًا؟ ألا يعنى هذا أنه سيكون دستورًا كالصخرة يتفتت عليها التفاف الملتفين، أغراض المغرضين، نفاق المنافقين، تسلق المتسلقين؟  25 مليون  انسان يأكلوا الحديد ..زمان أيام سعد زغلول لم يكن يزيدون عن مليون أو مليونين، وفى حماية هذا العدد المحدود حاول الملك فؤاد الانفراد بتحديد أسماء خمسي أعضاء مجلس الشيوخ، وهى الشريحة المقرر أن تكون بالتعيين لا الانتخاب، وقف له سعد، هذا حقك بموجب الدستور ولكنه مشروط بأن يكون ذلك من خلال الحكومة، كلمة من سعد كلمة من الملك احتدم الخلاف،  نُحكِّم حَكِّم ، وحضر نائب عام الاسكنرية، وكان خبيرًا قانونيًا بلجيكيًا والدستور مأخوذ عن الدستور البلجيكى، الحكم : كلام سعد مضبوط يا جلالة الملك، وكان ما أراده الدستور لا ما أراده سعد، وخضع الملك للدستور لا لسعد..فى مصر 1923.

ابعد يا شطان ابعد يا شطان ابعد يا شطان اقتحمتني فايزة أحمد بأغنيتها كعادتها كلما بدأ الشيطان يوسوس لى، فاكر يوميات نائب فى الأرياف يا فتحى؟ فاكر التحقيق فى قضية قمر الدولة يا فتحى؟ فاكر، المأمور الذى حضر مع وكيل النيابة للتحقيق ماذا قال حين تحدث مع توفيق الحكيم وكيل النائب العام كنوع من الدردشة " أنا لا أتدخل فى الانتخابات أبدًا أنا أترك الناس تصوت لصالح المرشح الذى يريدونه ثم بعد العملية وغلق الصناديق ألقيها فى الترعة وأضع مكانها صناديق معدة سلفًا لصالح المرشح الذى تريده الحكومة ( حيلك حيلك ) ولماذا نذهب لثلاثينيات القرن الماضى ولدينا سبعينياته، أيوه عندما وقفت السيدة فايدة كامل وهى سايبه ايدها وفتحت مدد الرئاسة على البحرى، كان ذلك فى عهد الرئيس السادات ولحسابه، ولكن من استفاد من أبدية الرئاسة ليس السادات وانما الرئيس مبارك والنتيجة خراب مالطه ثم ثورة فى 25 يناير 2011 وتلك المأساة سببها تغيير حرف فى الدستور، حرف وليس كلمة أو عبارة، بدل مدة أصبحت مدد.

تملكنى الرعب هل يمكن  الالتفاف علي دوستورنا هذا؟ خنقه؟ تفريغه من قيمته؟ من معناه من قدراته؟ نُشِله بعبارة واحدة " ليس قرآنا " ولا نجد من يرد بقوة وأيضًا  "ليس تى شرت"  معقول أن يفعل المصريون هذا بأنفسهم مرة أخرى؟ أن يدفعوا ثمنا باهظًا ممثلا فى ثورة سحقت معدل النمو وحولته من 10% لصفر% والسياحة من 10 مليار دولار لصفر مليار وهجوم تترى على الأراضى الزراعية، وهجوم عاتى على شوارع وسط البلد، وسرقة سيارات عينى عينك، وهتك عرض الأمن القومى بتشكيل عصابى شيطانى من حماس وحزب الله وإيران وتوزيعهم للمجرمين توزيعًا عادلا على محافظات مصر، وشروع أثيوبيا ببناء خزان ليسع أكثر من 70 مليار مترًا مكعبًا بدل من الخزان الذى تمنت فى السابق أن يكون 24 مليار، ووقوف المجلس العسكرى زنهار فى اجتماع دائم  ليحمى مصر؟  هل يمكن أن نقبل دفع فاتورة من لحم الحى ولا نستلم البضاعة؟ أو نستلمها ونبددها؟ أو نغشها  دون حساب لحرمة وطن ولا مصير أجيال ؟  هل يمكن أن نكون بهذه الغفلة بهذا الاستهتار بهذه البلاهة؟ بجهد جهيد طاردت مخاوفى، شكوكى، لا ، استحالة أخرجت البطاقة الوردية، مزقتها، وألقيت بها بعيدًا، كانت رمزًا لعصر من الضياع، من الفساد، من القبح،  قسمًا عظمًا الطربوش كان برقبتها، صحيح هى وردية وهو وردى، لكنه لم يؤذنا ولم نر منه إلا كل خير وود وجمال، ومع ذلك ألقينا به بعيدًا، وجئنا بالرقم القومى، يحيا الرقم القومى، عاش الرقم القومى، حبيبكم مين؟ الرقم القومى، ونصيركم مين؟ الرقم القومى، ابناء الاسماعيلية يحيون الرقم القومى ابناء المنصورة وبولاق يحيون الرقم القومى.. ابناء بهوت ونبروه وطلخا ... ورقصنى يا

تعليقات